مشروعان حيويان نفذتهما مصر فى القرن الـ19 لتوفير مياه الشرب إلى منطقتين من أهم مناطق مصر، الأولى هى ترعة السويس «الحلوة» لتوصيل مياه الشرب إلى مدن القناة.. إلى الإسماعيلية ثم شمالاً إلى بورسعيد، ثم جنوباً إلى السويس، وأدى ذلك إلى توسع زراعى عظيم واستصلاح أراض ضخمة بالشرقية، وهذه كان الهدف الأول منها هو توصيل مياه الشرب إلى عمال حفر قناة السويس وإلى المدن الثلاث.. والمشروع الثانى هو ترعة المحمودية لتوصيل مياه الشرب إلى الإسكندرية، ومن ثم زراعة مساحات كبيرة من الأراضى البور.. بل إن محافظة البحيرة تدين بالشكر- هنا- إلى محمد على، لأنه وفر المياه لرى صحراء البحيرة.
كانت الإسكندرية تعيش على مياه الأمطار والآبار الجوفية.. وإذا كان الثابت أن الإسكندر الأكبر هو الذى حفر ترعة الإسكندرية لضمان وصول المياه الحلوة لسكان مدينته الجديدة.. فإن كليوباترا أعادت حفرها وتعميقها.. حتى تضمن وصول المياه إلى الصهاريج «أى الخزانات الأرضية» حتى تمتلئ ليجد الناس الماء بعد انتهاء فصل الفيضان.. وكان بالإسكندرية 360 صهريجاً لهذا الغرض.. والترعة هنا كانت ومازالت تعتمد على مياه النيل من فرع رشيد لهذا الغرض.. ولأهميتها سجل المؤرخون تاريخ هذه الترعة.. وكيف اهتم بها الحكام، وأهم خمسة مشروعات لإعادة حفر الترعة بسبب الإطماء.. كان أولها عام 859م على يد قاضى مصر الحارث بن مسكين.. ثم عام 872 على يد أحمد بن طولون، والثالث عام 1013م أيام الحاكم بأمر الله الفاطمى، وبعده وفى عام 1265م ينسب للظاهر بيبرس واحد من أهم هذه المشروعات، ثم عام 1432م أيام السلطان الأشرف بار سباى، وكان هدف كل هذه المشروعات هو ضمان توفير مياه الشرب للإسكندرية صيفاً وشتاءً، وبالمناسبة كان كل من يحاول الاستيلاء على المدينة عليه أن يقطع هذه الترعة ويمنع وصول المياه للمدينة المحاصرة.. وحدث هذا بيد الإنجليز عندما حاصروا قوات حملة بونابرت. ولهذا عمد محمد على باشا إلى إعادة حفر هذه الترعة، ويقال إنه استخدم 360 ألف فلاح فى هذا العمل.. وخلال 90 يوماً فقط، وكسب محمد على بذلك 100 ألف فدان تمت زراعتها فى محافظة البحيرة!! وبدأ محمد على مشروعه هذا عام 1818، وصمم على أن يتراوح عرض الترعة بين 20 و25 متراً، وألا يقل عمقها عن 6 أمتار.. وانتهى العمل وفتحت للملاحة فى فبراير 1821. وقيمة هذه الترعة أنها متعددة المهام، فهى ليست فقط لتوفير مياه الشرب.. ولكنها أيضاً لرى الأراضى الجديدة.. وثالثها استخدامها للملاحة لنقل البضائع من داخل مصر إلى ميناء الإسكندرية.. واستقبال الواردات ونقلها إلى القاهرة، أى هى ترعة ثلاثية الأغراض.
■ ■ ونصل إلى عصر السيسى الآن، إذ بسبب إهمال أمر هذه الترعة، ومنذ سنوات بعيدة تحول مجرى الترعة التى كانت تحمل اسم «خليج الإسكندرية» إلى مجرى لإلقاء القاذورات، أى للأسف إلى مصرف.. لأنها هى المأخذ الأساسى للمياه للعاصمة الثانية.. وربما كانت هذه المخلفات وراء تلك الرائحة التى يتأذى منها أهل الإسكندرية.
لذلك كان قرار الرئيس السيسى لإنقاذ الترعة المحمودية، وبالتالى إنقاذ أهل الإسكندرية.. ولكن لماذا اسم المحمودية؟! غداً نواصل ونعرف لماذا جاء اهتمام الرئيس بإعادة إحياء.. ترعة المحمودية!!