x

إبراهيم البحراوي لحظة انهيار جولدا مائير أمام الثعلب المصرى إبراهيم البحراوي الإثنين 23-09-2013 20:46


أقول لكم.. أيها القراء المصريون إنه من واجبكم وحقكم فى الوقت نفسه أن تشعروا بالفخر بالرئيس السادات ومكانته فى التاريخ بين أصحاب الإبداعات الكبرى الاستراتيجية والعسكرية. أقول هذا بعد أربعين عاماً على حرب أكتوبر 1973 وبعد أن طالعت شواهد إحساس جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل بالضآلة هى وزملائها فى القيادتين السياسية والعسكرية أمام قدرات السادات الهائلة على الدهاء وعلى الخداع الاستراتيجى. لقد انتهيت من مطالعة محضر تحقيق لجنة أجرانات التى شُكِّلت بعد الحرب للتحقيق الرسمى مع أعضاء القيادتين السياسية والعسكرية لتحديد المسؤولين عن التقصير الذى أدى إلى الهزيمة، وقتل عدة آلاف من الضباط والجنود الإسرائيليين وجرح حوالى عشرة آلاف وأسر الآلاف منهم. هذا المحضر الذى أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية بمناسبة عيد الغفران اليهودى الذى حل يوم 13 سبتمبر هذا العام، وكان قد حل فى السادس من أكتوبر عام 1973 - مخصص للتحقيق مع رئيسة الوزراء أثناء الحرب جولدا مائير، وهو يقع فى مائة وثمانى صفحات ويغطى التحقيق الذى بدأ فى السادس من فبراير 1974. على امتداد هذه الصفحات يقف شامخاً الرئيس محمد أنور السادات، فخطة الخداع الاستراتيجى التى وضعها مع عناصر المخابرات والقيادة العسكرية المصرية تقدم الإجابات والتفسيرات للفشل الإسرائيلى. وإذا كان الفيلد مارشال روميل الألمانى قد ظفر بلقب ثعلب الصحراء لدهائه ومكره فى حرب الصحراء الليبية والصحراء المصرية الغربية خلال الحرب العالمية الثانية فى النصف الأول من القرن العشرين، فإن السادات يستحق بجدارة لقب ثعلب الخداع الاستراتيجى فى النصف الثانى من القرن.

فى بداية الجلسة الأولى طلبت اللجنة من جولدا مائير أن تقدم صورة عن المعلومات المخابراتية والإنذارات التى تلقتها حول احتمال الهجوم المصرى السورى منذ 13 سبتمبر 1973، وعن استعدادات الجيش الإسرائيلى، وكان الهدف معرفة المسؤولين بدقة من أعضاء القيادتين السياسية والعسكرية عن عدم الاستجابة المناسبة وإعلان حالة الطوارئ واستدعاء قوات الاحتياط، استعداداً لملاقاة الهجوم على الجبهتين السورية والمصرية. كانت اللجنة فى جلساتها السابقة قد حصلت على المعلومات الخاصة بالإنذارات حول قرب نشوب الحرب من رئيس الموساد تسيفى زامير، ورئيس المخابرات العسكرية إيلى زعيرا، ورئيس الأركان ديفيد أليعازر، ووزير الدفاع موشيه ديان. حسب هذه المعلومات تلقت «جولدا» شخصياً فى لقاء مع عميل عربى يوم 29 سبتمبر 1973 إنذاراً بقرب نشوب الحرب فى اليوم الأول من شهر أكتوبر، وتلقى رئيس الموساد شخصياً فى لقاء فجر السادس من أكتوبر فى لندن إنذاراً من عميل آخر بأن الحرب ستنشب فى اليوم نفسه فى تمام الساعة السادسة مساء». بالإضافة إلى هذه الإنذارات تلقت المخابرات الحربية تقارير استطلاع ميدانية تفيد بأن القوات المصرية محتشدة فى تشكيل دفاعى يمكن أن يتحول فى أى لحظة طبقاً للعقيدة العسكرية السوفيتية إلى تشكيل هجومى وأن القوات السورية بدورها محتشدة، وأنها رفعت درجة استعدادها القتالى، السؤال الكبير هو: لماذا لم تتخذ جولدا مائير الإجراءات اللازمة كما سبق أن فعلت فى مايو 1973 أى قبل أكتوبر بستة شهور؟، وذلك عندما حشد المصريون قواتهم بنفس الطريقة على الجبهة. إن إجابة «جولدا» تعنى أن تجربة إعلان حالة التأهب الإسرائيلى فى مايو 1973 قد عززت صورة غير إيجابية عن شخصية الرئيس السادات باعتباره رجلاً متردداً يصدر القرار ثم يتراجع عنه، خاصة أن مصدراً سرياً كان قد أبلغ إسرائيل مبكراً بأن شهر مايو سيشهد هجوماً مصرياً.

تقول «جولدا» بالنص: «كنا قد تعودنا طوال الوقت أن السادات شخص غير جاد فهو يلقى تواريخ ويضرب مواعيد ولا ينفذ ما يقول دون أن يشعر بالخجل على غرار قوله «إن هذا عام الحسم». وأضافت جولدا «لقد كان الكثيرون يتبادلون النكات والقفشات حول كيف يمكن لرجل مثل السادات أن يستمر، وكيف يقدر الشعب المصرى على تحمله». لم تكمل جولدا كلامها هذا إلا وكانت قد أفاقت على هول ما تقول، وكأنها اكتشفت وهى تتكلم عن السادات والاستخفاف به أن صورته الداعية إلى الاستهانة به والتندر عليه كانت من صنعه هو نفسه ليضرب غشاوة على أعين وعقول قادة إسرائيل، فيستقر فى يقينهم ووجدانهم أنه شخص غير جاء حتى لو جاءتهم إنذارات ساخنة وأطلت عليهم شواهد ميدانية واضحة بأنه أصدر قراراً بالهجوم. هنا انهارت جولدا أمام لحظة الاكتشاف هذه، فاستدركت لتقول: «أما الآن فلابد أن أطلب الصفح من السادات وأن أعتذر له عن استخفافنا به».

كانت لحظة الانهيار هذه فى فبراير 1974 بعد خمسة شهور فقط من الهجوم المصرى السورى العاصف. من يومها تتردد فى المحاضر والوثائق الإسرائيلية أسئلة من نوع: هل كان سيختفى عدة ألوف من الشبان الإسرائيليين من على وجه الأرض لو كنا أخذنا السادات مأخذ الجد ولم نصدق الصورة الزائفة التى روجها عن نفسه وزرعها فى عقل إسرائيل؟ ورحمك الله يا شيخ الدهاء وثعلب الخداع الاستراتيجى العظيم.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية