كانت الساعة قد أشرفت على الثانية صباحا حينما فتح باب الفندق الذى يعمل فيه فى باريس وخرجت منه امرأة، ما إن وقع بصره عليها حتى ذهب النعاس من عينيه وهو الذى كاد يسقط من فرط الإعياء منذ لحظات.. واعترته الدهشة حينما تعرف عليها... كلود فاليه النجمة التى اعتلت عرش الإغراء بعد اعتزال بريجيت باردو.
ولما كان عمله يقتضى منه مصاحبة نزلاء الفندق والملهى الليلى المحلق به بمظلة حتى سياراتهم لحمايتهم من أمطار وثلوج باريس، فقد أسرع وفتح مظلته وعلى شفتيه ابتسامة اجتهد أن يرسمها رسمًا... ومشى بجانبها حتى اقتربت من سيارتها... ليلة سعيدة قالها بصوت مرتفع عما اعتاد عليه.. فوجئ بها تقول له اركب... خيل له فى بادئ الأمر أنه لم يسمع جيدا.. فتمتم عفوا!
أركب؟!... أعادتها عليه بالفرنسية والإنجليزية... لا يعرف لماذا ركب معها.. لقد تعود منذ جاء من القاهرة والتحق بالعمل بالفندق فى عاصمة النور على أن تدعوه بعض السيدات بعد منتصف الليل.. ولكنه كان يكتفى دائما بالابتسامة والتمتمة ببعض الكلمات تخلصًا من أى موقف مشابه.. خصوصا وأنه يعرف أن دعواتهم فى الغالب تأتى بعد احتسائهم العديد من كؤوس الشمبانيا.. هذه المرة لم يستطع مقاومة إغراء تلك الفاتنة التى طالما سحرته على الشاشة.
أسند رأسه على مقعد السيارة.. وطاب له أن يتأمل تقاطيع وجهها الجميل خصوصا وأنهم فى معظم أفلامها يركزون على جسدها المثير.. وخيل إليه أنه يتزحلق على الجليد معها كما شاهدها فى آخر فيلم شاهدة لها...
سألته أن يشعل لها سيجارة.. كانت شوارع باريس هادئة كالمعتاد بعد منتصف الليل والسيارة تسير وهو لا يعرف الى أين تقوده.. وفجأة اندفعت فى نوبة بكاء... بحرقة وهى تصيح: «السافل.... ابن الك....».
بصعوبة بالغة أقنعها بأن تركن السيارة وجفف لها دموعها... وبدأت تروى له قصتها.. كيف التقت بصديقها وأحبته، وأخلصت له وعاشت تحت قدميه حتى بعد أن بدأت الذئاب تحوم حولها... حتى تلك الليلة حينما اكتشفت خيانته مع فتاة دميمة على حد قولها... فأقسمت أن تخونه مع أول رجل تقابله... وقد كان هو أول رجل تقابله على باب الفندق!
شعر بالدم يغلى فى عروقه... فلهذا السبب إذن دعته... للركوب معها وبدون أن ينطق بكلمة واحدة فتح باب السيارة وهبط... وهى تسأله: إلى أين؟
وأخذ يلعن حظه الذى أوقعه تلك الليلة مع تلك المجنونة... وتذكر فجأة أنه ترك عمله دون أن يخبر أحدا... ماذا سيقول للمدير الذى استدعاه منذ يومين ليخبره أنه قرر ترقيته الشهر المقبل مساعدا للمشرف على الملهى الليلى... أكيد سيستدعيه هذه المرة ليخبره أنه مفصول... وسوف يردد كلمته التى يعرفها كل العاملين فى الفندق... العمل عمل... ولاح له المستقبل مظلمًا دون أن يستطيع تكملة رسالة الدكتوراة التى جاء من أجلها خصيصًا من القاهرة على حسابه الشخصى لتقديمها فى جامعة السوربون... كيف سيعيش بدون عمل فى الغربة والبطالة منتشرة حوله فى كل مكان فى باريس وتبخرت أحلام عمره فى لحظات... وراعه حينما اقترب من الفندق وجود عربات مطافى ومساعد المدير فى نقاش مع رجل بوليس... وعرف الحكاية.
لقد انفجرت قنبلة وضعها إرهابيون فى مدخل الفندق فى نفس المكان الذى اعتاد الوقوف فيه كل ليلة... ولم يسمع الباقى... فلقد أخذ يردد بصوت غير مسموع «المكتوب»!! وهو يكاد لا يصدق نفسه.. أنه لولا قبوله تلك الدعوة تلك الليلة لأصابته تلك القنبلة وربما فقد حياته.