تملكهم الشعور باليأس فى الحصول على قدر من الكرامة الإنسانية بعد أن عجزوا عن امتلاك شقة أو حتى غرفة تؤويهم، فعلقوا آمالهم على الآخرة علّها تعوضهم عن الشقاء والألم الذى عانوه طوال حياتهم، رفضوا الخروج من الدنيا إلا وهم يملكون ذرات التراب التى ستوارى أجسادهم، وعلى الرغم من بساطة الحلم فإنه لايزال بالنسبة لهم صعب المنال.
الأمنية الوحيدة التى تسعى «نادية السيد»، 45 عاماً، لتحقيقها هى الحصول على «مقبرة»، فقدمت فى القرعة التى أعلنت عنها محافظة الجيزة التى تأجلت بسبب الانتخابات، إلا أنها فوجئت أثناء الإعلان عن الأسماء الفائزة بالقرعة بوجود أسماء بعض أعضاء مجلس الشعب المنحل، وتقول: «مش كفاية عايشين فى ذل، كمان بيذلونا عشان ندفن، طيب لو حد فينا مات دلوقتى حيدفن فين ولا حيسيبونا نعفن فى بيوتنا».
يخشى وفاة والده الذى تجاوز الـ«85 عاماً»، لأنه لن يتمكن وقتها من دفنه، ويرفض اللجوء إلى مقابر الصدقة، فقرر اللجوء إلى القرعة.. «عبدالسيد»، 60 عاماً،: «أنا عاوز مقبرة، قرعة إيه اللى بيعملوها دى، هو أنا طالع أحج، وبعدين أنا صعيدى وعار عندنا إننا ندفن فى مقابر الصدقة».
على الرغم من أن الإعلان كان يؤكد أولوية الأشخاص من ذوى الإعاقة فى الحصول على المقابر فإن «محمد عيد»، كفيف فى الأربعين من عمره، أكد أنه لم يفز بالقرعة: «لو كانوا عملوا القرعة بما يرضى الله كنت أكيد أخدت، أنا محتاج تربة، محدش ضامن الحياة من الموت».
تقدم 33 مواطناً ببلاغ إلى نيابة الجيزة يتهمون فيه محافظ الجيزة بارتكاب مخالفات فى القرعة التى أجرتها المحافظة، مؤكدين فى البلاغ أن القرعة لم تكن علانية، حيث تم إجراؤها من خلال الكمبيوتر، كما حصلت بعض الجمعيات الخيرية بالمخالفة للشروط وأعضاء مجلس الشعب، وتكررت بعض الأسماء، مدللين بذلك على وقوع تزوير، كما اشتكوا من عدم تخصيص قطع للأشخاص من ذوى الإعاقة. وأشار البلاغ إلى أن 13 شخصاً فقط هم من حصلوا على مدافن، فى حين تجاوزت أعداد الحضور 13 ألف مواطن. طرح محافظ الجيزة على المحتجين استرداد قيمة الرسم المحصل منهم والذى يبلغ خمسين جنيهاً فى حالة عدم الرغبة فى الحجز مرة أخرى، إلا أن أغلبهم تشكك فى تلك الخطوة، خاصة أن عدد المتقدمين تجاوز الـ27 ألف مواطن.