«سمر عادل: اجتهاد شامل لكارثة لا تتوقف!»
قليلة هى الدراسات التى تتناول الأسئلة الحقيقية حول ظواهر الواقع وعلاقة موازين قواه المحلية ببعضها البعض فى الداخل، وعلاقتها بالنظام العالمى وتوجهاته الاقتصادية والسياسية والثقافية. وفى دراستها المعتبرة «اقتصاديات هجرة الكفاءات» (الهيئة المصرية العامة للكتاب- 2020) تقارب الأستاذة «سمر عادل» إشكالية «هجرة الكفاءات» أو «نزيف الأدمغة»، إحدى الإشكاليات الخطيرة التى تعانى منها دولنا منذ زمن الاستعمار الصلب أو المادى المباشر والتى استمرت فى زمن التحرر الوطنى أو زمن الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية، وهى المرحلة التى، وبحسب الراحل الكبير فؤاد مرسى فى مجلده المرجعى العمدة: «الرأسمالية تجدد نفسها- 1990»، «أسأنا فيها التقدير فيما يتعلق بقدرة الرأسمالية على تخطى الأزمات- بالرغم من أزماتها المتكررة- فبقيت الرأسمالية تستعمر أوطاننا».. إنه الاستعمار الناعم المرتبط بعملية العولمة.. ما ضاعف هجرة الكفاءات. وتؤصل الأستاذة «سمر» للظاهرة فى فصلها الأول (70 صفحة مكثفة لعرض الإشكالية من حيث المصطلح، والنظريات، والأسباب، وأخذ القارة الإفريقية نموذجا) وتقول: «هجرة الكفاءات هى من نتائج الرأسمالية العالمية، وشكل من أشكال تدويل رأس المال وبخاصة رأس المال البشرى.. من ذوى الكفاءات العالية- سواء للعمل أو التعليم- من دول تعانى مشكلات فى العمل والتنمية ولا تملك خططا لتوظيف رأسمالها البشرى إلى دول أخرى تهتم بالاستثمار فى رأس المال البشرى وتتمتع بوجود مجتمع إنتاجى قوى».
(2)
«القرن الـ21: عقدان من تنامى هجرة الكفاءات.. لماذا؟»
وتأخذ الأستاذة «سمر» القارة الإفريقية نموذجا للتنامى المطرد فى هجرة الكفاءات. ففى عام 2000 رصدت الباحثة أن هناك ما يقرب من 23 مليون مهاجر من شتى المناطق الإفريقية زادوا بنهاية 2017 إلى ما يقرب من 40 مليون مواطن انتقلوا من القارة الإفريقية إلى خارجها. فى هذا المقام، رصدت الباحثة أكثر 12 سببا لتجمل الأسباب الطاردة للكفاءات المهاجرة مصنفة إياها إلى ثلاثة أقسام رئيسية كما يلى: أولا: الأسباب الاقتصادية وتشمل: تباين الدخول، والفقر، والبطالة، وضعف الإنفاق على البحث العلمى، والتبعية الاقتصادية. ثانيا: الأسباب السياسية وتتضمن: عدم الاستقرار السياسى، والفساد السياسى والإدارى، والقيود السياسية التى تفرض على البحث العلمى. ثالثا: الأسباب الثقافية والتعليمية وتتمثل فى: وسائل الاتصال الحديثة المُيسرة والمُحفزة والمُشجعة والدافعة للهجرة إلى مجتمعات علمية متقدمة، والصراعات الدينية والعرقية، وضعف وتأخر المنظومة التعليمية، واستثمار دول الاستعمار القديم لمجمل الأسباب الطاردة السابقة فى التقاط الكفاءات وإدماجهم فى مجتمعاتها. ولعل أهم ما خلصت إليه الباحثة أن العائد الذى يعود على البلدان الطاردة لا يتجاوز العائد المالى المتمثل فى التحويلات المالية التى قد تعين فى الحد ــ قليلا ــ من بعض الإشكاليات الاقتصادية، ولكن فى مقابل ذلك تفقد هذه البلدان العناصر المهرة التى يمكنها أن تحقق تقدما حقيقيا على المدى الطويل شريطة- بالطبع- إزالة الأسباب الطاردة والالتزام بخطط تنموية شاملة ومستدامة.
(3)
«كيف يمكن مواجهة هجرة الكفاءات؟»
تنفى الباحثة، كليا، فردية الظاهرة وتربطها بالسياق المجتمعى والاقتصادى المحلى التابع للاقتصاد المعولم. تقوم الأستاذة «سمر عادل» بتطبيق ما طرحته من إطار فكرى على دولة نيجيريا على مدى ثلاثة فصول تتناول ما يلى فى: الفصل الثانى: السياق الاقتصادى لنيجيريا. فالفصل الثالث: واقع هجرة الكفاءات فى نيجيريا. وأخيرا الفصل الرابع: الانعكاسات الاقتصادية لهجرة الكفاءات النيجيرية وسبل المواجهة.. وتعد نيجيريا نموذجا مثاليا للدراسة لأهميتها من حيث المساحة والموارد الطبيعية وعدد سكانها وتعدديتها الثقافية. وقد قامت الأستاذة «سمر» بدراسة التطور الاقتصادى التاريخى لنيجيريا منذ ستينيات القرن الماضى وأثره فى تفاقم هجرة الكفاءات وانعكاساته على واقع نيجيريا الراهن. وتخلص فى الخاتمة إلى وضع عدة سيناريوهات تنموية: شاملة وإجرائية لمواجهة نزيف هجرة أدمغة الكفاءات. تحية لـ«سمر عادل» لمقاربتها البحثية المتميزة التى تمس إشكالية حقيقية تتعلق بتطلعات مجتمعاتنا للتقدم.. وأتمنى أن تنجز دراسة وطنية حول الموضوع.. فبغير الكفاءات الوطنية والمشروع التنموى المستدام والمستقل لا يمكن التقدم.
ونواصل مع مصر الولادة وشباب سلسال الإبداع.