x

ثروت الخرباوي نهاية المستبد ثروت الخرباوي الثلاثاء 23-07-2013 21:28


هذه مقالة موجهة لشخص ما، هذا الشخص قد يكون أنا أو أنت أو هو، أو هما أو هم، ولكنها دعوة للمراجعة، فالذى لا يراجع نفسه وفكره ومواقفه سيتحول إلى جدار أسمنتى ليس فيه حياة، لا يستطيع أن يَستوعب، ولا يقبل أن يُستوعب، فيظل غريبا بين بنى وطنه، نافرا عنهم، مستقبحا من جموعهم، فى الوقت الذى يظن فيه أنه نال المحبة والتقدير منهم، لهؤلاء أو لهذا أقول لهم وله: انظر حولك مرة ثم انظر فى داخلك مرتين، ستجد مستبدا صغيرا جالسا فى أعماقك ينتظر لحظة سانحة يظهر فيها كى يمارس استبداده، وانظر حولك مرة ثم انظر فى داخلك مرتين، ستجد عادلا صغيرا جالسا فى أعماقك ينتظر من يحرك عدله ليكون العدل هو منهج حياتك، وبين عدلك واستبدادك يضطرم صراع أبدى سيظل قائما إلى أن يشاء الله.

كنت قد قرأت فى فترة مبكرة من حياتى كتابا رائدا فى موضوعه متميزا فى تصنيفه هو كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» لعبدالرحمن الكواكبى، وقد استعرض الكواكبى رحمه الله فى كتابه شرحا وافيا لطبائع الاستبداد وطبع المستبد، وأوضح أن المستبد جُبل على الخوف والجبن.. ذلك أن خوف المستبد من المحكومين يدفعه قدما نحو الاستبداد، ومن خلال ذلك أفاض الكواكبى فى شرح تفصيلى عن من هم أعوان المستبد وهل يمكن أن يتحمل المحكوم ذلك الاستبداد؟ وإلى أى مدى يكون هذا التحمل؟

وبعد كتاب الكواكبى نهلتُ من كتاب «الإسلام والاستبداد السياسى» للشيخ محمد الغزالى، وقد ترك هذا الكتاب فى ضميرى أثرا كبيرا، ذلك أن الشيخ وجه فى كتابه هذا صفعة مدوية للاستبداد والطغيان حتى ولو تسربل ـ زعماًـ بالإسلام، فالاستبداد واحد مهما كان الثوب الذى يرتديه، وقد شخّص الدكتور كمال أبوالمجد عندما تحدث عن «ظاهرة المستبد الكبير والمستبدين الصغار» هذه الآفة التى تُنبت دائما رأياً واحداً للأمور، ويكون هذا الرأى هو وجهة نظر المستبد الأكبر التى فكر فيها وحده، ورأى أنها تحقق غاياته وترضى غروره، ويستشرف المستبدون الصغار من أتباعه وجهة نظره فيتكالبون على ما يراه، ويستحسنون ما يفعله، ويتحول لديهم إلى معصوم، فيصبحون فى معيته هم بدورهم معصومين، وعندئذ لا يجرؤ مفكر أو عالم أو فقيه أو مبدع أو سياسى على أن يفكر بعقله هو، أو أن يرى بعينه هو، أو حتى يعلن موقفاً معيناً يخالف رأى أو موقف ذلك المستبد الأكبر، ويكون من نتيجة ذلك أن يجمد الفكر ويتحول إلى «قوالب جاهزة» أو «أفكار معلبة».

فى تلك البيئة الاستبدادية يتكاثر المنافقون من أتباع المستبد الأكبر حتى إنهم يسدون من كثرتهم عين الشمس ويتحولون إلى صور ممسوخة مشوهة لا تبحث عن حق ولا تستشرف عدالة، وفى تلك البيئة أيضا يقل الإبداع حتماً ويغيب حق نقد الحاكم أو الرئيس أو الزعيم أو رئيس الحزب أو مسؤول الجماعة، وتضيع حينئذ حرية التعبير وتُفتقد شجاعة النقد الذاتى، ويصبح تصور مراجعة القرارات والمناهج والأفكار لدى المستبد تصوراً غريباً وممقوتاً، ويصبح من يدعو إليه مارقاً لا هوادة فى مواجهته، وهنا قد لا يتصور المستبد الأكبر وأعوانه من المستبدين الصغار وأعوانه من الآخرين الضعفاء الذين يساعدونه بضعفهم وخوفهم وجبنهم، لا يتصورون أبدا أنه قد يأتى يوم يترك فيه المستبد الأكبر موقعه، وإذا كانت الدول والأحزاب والكيانات السياسية والجماعات التى تنضوى بأفكارها وأطروحاتها ومناهجها تحت راية مستبد قد تعيش ردحاً من الزمن دون أن تناوشها المشاكل، إلا أنها عندما تتعثر يكون من المستحيل أن تنجو من عثراتها ــ ويكون فوق المستحيل أن ينجو المستبد باستبداده ــ وإن نجت تظل مشلولة فاقدة لكل قدرة على الحركة والتأثير.

لذلك عندما قال فرعون لموسى عليه السلام «وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلا تُبْصِرُونَ» إذا بالأمر يتطور معه إلى أن يصبح رأيه هو الحق الذى ليس من حق غيره وكلامه هو الرشاد الذى ليس من رشاد سواه، حينئذ «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ».

فكانت العاقبة أن انهار مجتمع هذا المستبد الكبير وتهاوى أتباعه من المنافقين الذين كانوا لا يرون إلا ما يرى، ولا يفكرون إلا عندما يفكر ويلقى إليهم بالتوجيهات.

أظن أن انهيار الطاغية المستبد وانهيار حكمه هو أمر حتمى بل هو من نواميس الكون، ولن يستطيع طاغية أبدا مهما طال به العمر أن يخلد فى حكمه، ولن يستطيع أيضا إن شاء الله سبحانه وتعالى أن يورث حكمه لأحد لأن استبداده سيقضى عليه حتما وقد قضى الاستبداد على القياصرة والأباطرة والفراعين المستبدين، فها هم قوم عاد قد أشار الله لنا عليهم ودعانا إلى أن نتفكر فى مصارعهم فقال فى كتابه الكريم (ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التى لم يخلق مثلها فى البلاد) أما فرعون المستبد وابنه وزوجته وآله (الذين طغوا فى البلاد * فأكثروا فيها الفساد) فكانت عاقبتهم (فصب عليهم ربك سوط عذاب) وما ذلك إلا لأن (إن ربك لبالمرصاد).

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية