x

ثروت الخرباوي يا إخوان.. اتقوا الله ثروت الخرباوي الثلاثاء 09-07-2013 21:31


حينما كنت شابا يافعا، شغفت بكتب الفقه، وكان أول ما قرأته فى هذا المجال كتاب عن مقاصد الشريعة عند الإمام الشاطبى، استغرقت فى قراءة الكتاب وفك مغاليقه، فوجدت أن كل الفقهاء قد أجمعوا- استدلالا من القرآن والحديث- أن حفظ النفس هو أعظم مقصد من مقاصد الشريعة، ليس نفس المسلم على المسلم فقط، ولكن كل النفس التى حرم الله قتلها، الدرس الأول هو عن «تعظيم الحرمات»، وكانت أول حرمة قالها لنا الشيخ هى حرمة الدم، وكان درسه الأول عن كيف يتسلل الشيطان للنفس ليسوّغ له القتل، وكان أبشع تسويغ هو: حفظ الدين، أو إقامته، أو السعى للوصول إلى الحكم أو الاستمرار فيه- تحت راية الدين- عن طريق الدماء، وكان مما قاله الشيخ يومها: إن فرعون كان طاغية مستبدا، لا يتلقى إلا من رجال قصره فقط، ولا يأخذ إلا منهم، وحين وجد أن قومه يرفعونه، ويقدسونه ظن أنه مقدس، فخاطب جنوده ورجاله قائلا: «أنا ربكم الأعلى» والربوبية التى قصدها فرعون هنا هى ربوبية الإدارة والسيطرة والهيمنة، فما كان من جنوده إلا أن أذعنوا له، وأقروا بطغيانه وهيمنته، ولأن الاستبداد يقود صاحبه خطوة خطوة ناحية الهرطقة، لذلك فإنه أى الاستبداد من همزات الشياطين «شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا». والشيطان لا يضل الإنسان مرة واحدة ولكنه يتعامل معه بسياسة خطوة بخطوة، من أجل هذا حذرنا الله- سبحانه- وقال لنا: «... ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين» فوصل الأمر بفرعون لأن تصور نفسه أنه هو الإله نفسه، هو الله الخالق الذى يجب أن يُعبد فقال لهم «... يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى» هنا تحول فرعون فى ذاته إلى إله، تطور فى عين نفسه وعين أتباعه ليس إلى دين، ولكن إلى الله الواحد الخالق، فسعى بجيشه إلى قتل موسى وقومه وإراقة دمائهم «فأخذه الله نكال الآخرة والأولى».

وهكذا الشيطان مع كل مستبد ظالم، يسول له استبداده، ثم يدلف إلى ذاته، فيحوله فى عين نفسه وعيون أتباعه إلى دين، ثم إلى رب، ومن هذا المنطلق يدفعك للقتل باسم الله، أليس رجل الله هو الذى يأمر بالقتل تحت مسمى «الاستشهاد»!هو لن يقول لك اذهب، فاقتل مباشرة، ولكن سيقول لك: أنت تدافع عن الدين، ثم سيتقدم خطوة، فيقول: إذا لم تدافع عن الدين، فإنه سينتهى من الوجود، ولن يعبد الله بعد اليوم، ثم سيدفعك خطوة أخرى للأمام، فيقول لك: الحمد لله الذى أوجدك فى الدنيا.. ثم يستمر فى وسوسته: تخيل إذا لم تكن موجودا فى الدنيا «كان زمان رحم الله الإسلام» عند هذه الخطوة يصبح المستقر فى ضميرك أن قائدك الأعلى قد تحول إلى دين، حيث امتزج بالإسلام وتماهى الإسلام فيه، والذى سيخوض المعركة ليس هو أنت، بل الإسلام نفسه، ومن أجل أنها معركة الإسلام، فلا مانع من أن تتحدث مع ناسك وتخبرهم بأن سيدنا جبريل معكم الآن جاء لينتصر لكم، ولم لا، والله قد أمد المسلمين فى بدر بـ«خمسة آلاف من الملائكة مسومين»؟ وإذا عزل الشعب مرسى من الحكم، تطور الأمر عندهم، فقالوا: إن سيدنا محمد بنفسه قد حضر الآن لينتصر لمرسى- الذى أصبح إسلاما- فى معركة مقدسة ستذهب بعدها إما إلى نصر الإسلام، أو إلى جنات النعيم، فتسعى للجنة التى تنتظرك على مرمى البصر، فتقتل من اختلف معك سياسيا، وتريق دمه، وتبث كراهيتك فى جموعك وجماعتك لتدفعها إلى أن تأخذ نفس طريقك. هذا هو التدين المغشوش الذى يصيب أصحابه بخلل فى المشاعر، ويميت القلوب، ويزيف نبضها، فيبادر ذلك الشاب المتدين- الذى يقيم الليل، ويقرأ القرآن، ويبكى خشوعا وهو فى صلاته- إلى إلقاء أطفال من فوق سطح، ثم إعمال الذبح فيهم وقلبه ينتفض فرحا، لأنه قدم فى ظنه خدمة جليلة للإسلام، نفس الأمر كان عند متطرف صهيونى قام بإطلاق الرصاص على المصلين فى الحرم الإبراهيمى عام 1994 ثم يفتخر أمام الناس أنه فعل ذلك تقربا لله!!.

وإذ رأيت الأحداث المؤسفة الفائتة، وقعت فى حيرة، وقلت فى نفسى سبحان الله! صدق الله- سبحانه- عندما قال فى كتابه الكريم: «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون».

كيف يسعى بعضهم إلى حفظ الدين- الذى يتوهمونه- عن طريق إضاعة حفظ الدم- الذى يهدرونه- قوموا إلى الله يرحمكم الله، ألم يأن لكم أن تخشع قلوبكم لذكر الله، ألم يأن لكم أن تكفوا أيديكم عن إراقة الدماء، فإذا تماديتم فى الوهم والظن والخلل الاعتقادى عودوا إلى قول صفوت حجازى الإرهابى حين قال- واليوتيوب شاهد- إذا لم يعد مرسى، فسنقوم بالتصعيد فوق ما يتخيل أى إنسان، ومن بعدها حدثت واقعة الحرس الجمهورى، عودوا إلى رشدكم «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية