1- لن تفروا منه
(يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف)
قالها سيدى
وهو يغلق مصحفَهُ
ويسحب بوردتَهُ
وينقر فى خفةٍ
فوق صدرى
وينزع من صوته
نبرةَ الخوفِ
حتى إذا سقطت أحرفه منه
يدخل خلوته
قائلاً:
نجنا نجنا
لم يقل غير ما قالهُ
وانزوى
زاد من رجفتى
حين أوكل لى
أن أجمّعَ
ما قاله الغابرونَ
وما خطّه السابقونَ
وكم مرةٍ حل فيها البلاءُ
وكيف النجاةُ
انكفأتُ
لعلى أرى ما رآهُ
وما إن بدأتُ
صُعِقتُ
فقد هالنى ما قرأتُ
وما قد رأيت
وقد هزنى
بأن الجوائح تمرح فى إثرنا
وأن صنوفًا من الخلقِ
تصنعها
وتأتى بها
وأن المظالمَ
حطت
وغطت بلا رأفةٍ
خفت من هولها
انتفضتُ
وما كدتُ أبرحُ
حتى شعرت بشيخى
يهلُّ
يردّدُ
(والله خيرُ حافظاً)
فأثلجنى حين أمسك بى
وأقعدنى
وأفرغ من صدرهِ
بعضَ ما هزنى
هل عرفتَ الحقيقةَ؟
قلت له: لا
قال فى حسرةٍ
ما الذى أطلق الشر
مَنْ أفلت الضر
مَنْ أغرق الأرض بالموتِ
ثم تفرون منهُ
تلا ما تلاهُ
وعاد يردْدُ
( إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- ملجأ يحتوينا
على باب بيتكَ
حين وقفتُ
بكيتُ
فقد أغلقوهُ
مُنعتُ
فيا غصةً فى الفؤادِ
المآذن خاوية
وها هو صوت المؤذنِ
حين يعانق
جوف الفضاءِ
يعود ليرتج
فى صحن بيتكَ
صوت ارتداد النداء
يردّ
ولا رجع للصوتِ
لا رنّة للحروفِ
ولا يستجيب الصدى
وفوق رؤوس الخلائق
طيرُ
أحس بأنى على حافة
فهلا أزفتِ
وهلا تركتِ لنا
فسحةً
علنا حين نرجعُ
ننجو
على باب بيتكَ
حين وقفتُ
ارتجفتُ
فياغصةً لازمتنى
وقد أرجفتنى
فماذا يحلّ بنا
لعنة أم بلاء؟
فيا كاشفَ الضرِّ
خفف عن الغافلينَ
فهذى كفوف ضراعتنا
كم تمنيتُ
لو كان لى ألف كفّ
وألف فؤاد
وألف لسان لأطلقتها
كيما ترد البلاءَ
فيا صاحب الملكوتِ
ألا افتح لنا باب بيتكَ
واعفُ عن الناسِ
وارفع بلاءكَ
فلا ملجأ يحتوينا.. سواك
■ ■ ■
3- لن تأتيك العاجلة
لن ترضى الآزفة
بأن تأزف حين تريدُ
وأن تعصف عصفتها
حيث تبيد
أو أن تحملك إلى ناصية الفقدِ
وتخرج مذمومًا مدحورا
هل حان الوقتُ
لكى تجلس آخر جلساتكَ
أن تفرغ كل شروركَ
هل كنت تظن بأنكَ
حين ملكت الأرضَ
ملكت الكونْ
وملكت نفوس الخلقْ
هل تقدر أن تحيا
يا من زرع الموتَ
وحصدَ الموت
هل كان بمقدوركَ
حين ظننتَ بأنك تقدرُ؟
كيف الحال الآنْ؟
انظر حولكَ
هل أعجبك فراغ الأرضِ؟!
الناسُ يفرون ويرتجفونَ
ويختبئون
وأشباح الموت
تراقص أعينهم
كنت أراه على كفيكْ
أعلم أن الموت سيأتي
لكن إن كنت تريد العاجلةَ
فلن تأتيكْ
أنت على مقربة
من أن تخرج من رحمته
فاخرج واتركها لى
يا خالق كلّ الخلقِ
أتيت إلى بابك ملتمساً
أن ترفع عنا بعض بلائِكَ
حين بكيت
وتضرعت
رأيت ذنوبى
تسقط منى
ومعاصىَّ تفرّ
وتغسلنا رحماتكَ
فأغتسلُ
ويرحل عنا بلاؤك.
■ ■ ■
4- اقتلع الطاعون
أفرغ كرباتك
وادخل بيمينك
واجلس قرب الباب
وحاول أن تتحسسَ
ما يخفيه الفارون
من الخوف
وحرّك كل سواكنك
لتنزعه
واتركه على طاولة
خفف من رجفتك
لتنجو
فلقد آن أوان مغادرة مدينتك
ولن يمكنك معاودة العزف
على الناى
فلتحبس فى رئتيك
هواءً
لن تعهده حين تغادرُ
دع كل معارفك
وحاول
أن تحمل فى عينيك
ملامح طفليك
ووجه أبيك
استعطاف أخيكَ
لإخفاء شقاوته
ومنازلة الأصحاب
لكى تبهرها
كنت تحس
بأن ملامسة ضفائرها
تشعرك
بأنك تملك
كل ربوع الكون
أغلق أبواب مدينتك
وغادر
فلقد حل بها الطاعون
وسكن منازلها
الجرذان
وغطى أطراف مدينتكَ
الحزنُ
فحاول
ألا تتركه يأكل ما بقى
وغادرْ دون ملامحك
منزوع السمتِ
لكى لا يعرفك المنهزمون
وحاول حين تغادر
ألا تغلق عينيك
وترسم ما يغنيك
لكى لا تهرب منك
ملامح بيتك
حين تحن إليه
وتذكر
من أجبرك لكى تهجره
فحاول أن تقتلع الطاعون
وتنزعه من بؤرته
وجاهد كى تقتله
كى تحيا.