قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الفقراء لهم دَور تاريخيُّ كبيرُ في دعمِ الرسالاتِ الإِلهيَّةِ والوقوفِ إلى جانبِ الأنبياءِ والمرسلين، والتَّاريخ يُثبتُ أن الفُقَراءَ كانوا أَذرُعَ الأنبياءِ وسواعدَهُم القويةَ في نشرِ الدعوةِ إلى اللهِ تعالى، وهِدَايَةِ الناسِ إلى الحقِّ والخيرِ والجمالِ، كما يُثبِتُ أن الترفُّعَ عليهم والأنفةَ منهم كثيرًا ما مثَّل عقبةً كأْداءَ صدَّتْ المستكبرين، وأَعمَت أبصارَهم وبصائِرَهُم.
وأضاف شيخ الأزهر الخميس، خلال برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب»: أن القرآن الكريم يكشف لنا قصة الوجهاءِ مِن قوم نوح -عليه السلام- وما أبدَوهُ مِن عُذرٍ في رَفضِهم وتمرُّدِهم على دَعوته، وقالوا له: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} الذين ليسَ لهم مالٌ ولا عِزٌّ ولا جاهٌ، فكان رده عليه السلام: {قالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ}.
وبيَّن شيخ الأزهر أن نبي الإسلامِ محمد ﷺ واجه نفسَ الموقف مع كفَّارِ قريشٍ، فكانوا يتأفَّفونَ من الجلوسِ مع صحابته من الفقراءِ والفقيراتِ، وقد سألَه أعيانُ قريشٍ أن يطرُدَ صحابته من مجلسه حتى يجلسوا معه، فنزل قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وهنا نهيٌ صريحٌ للنبي ﷺ عن إجابة المشركين لطلبِهم، وتحذير منَ الوقوع في «الظلم» إن فعلَ ذلك، وتذكير بأن هؤلاء العبيد يدعون ربهم صباحًا ومساءً ويعبدونه طلبًا لوجهه الكريم.
وأوضح شيخ الأزهر أن الدرسَ المستفاد هنا أنه لا ينبغي، بل لا يصحُّ، أن نقيِّمَ الناسَ على أساسٍ من أشكالهم ومظاهرِهم وإمكاناتِهم الماديةِ، فكلُّ هذه شكلياتٌ لا دخلَ لها في التعرفِ على قدر الإنسانِ، والمعيارُ الوحيد الذي يُكرم به المرءُ أو يُهان هو: العملُ الصالح، وقيمةُ الإنسان معلَّقةٌ بفائدتِه وأثرِه الطيب في نفسِه وفيمَن حوله، وهؤلاء الذين يُنظر إليهم وكأنَّهم من الدرجةِ الثانية هم أصحابُ فضلٍ قديمٍ على البشرية جمعاءَ، ويكفيهم شرفًا أنهم كانوا جنودَ الأنبياء والمرسلين في رسالاتِهم التي أنقذتِ البشريةَ من الضلالِ وأخرجتْها من الظلماتِ إلى النورِ.