بمناسبة الحجر والعزل وانقطاع التواصل بين الناس في زمن الكورونا تلح على خاطرى مسألة التواصل عن بُعد بين برامج الإذاعة والتليفزيون والمشاهدين أو المستمعين، وكذلك مسألة التفاعل بين الصحيفة والقراء.. لا أدرى عندى شعور دائمبوجود شيء غلط، شيء لا أفهمه ولا أدرى كنهه ولكنى استشعره.. هذه المكالمة التليفونية التي تجشّم المستمع عناء إجرائها في الساعة السادسة صباحاً ليقول للمذيعة إنه يحبها ويحب برنامجها ثم يطرح عليها سؤالاً عبيطاً ويتركها تصول وتجول في استعراض إجابتها ونصيحتها للمستمع.
هل يوجد شخص طبيعى يصحو في الفجر ليفعل هذا. إن ما لا أرتاح له في هذا النموذج من صور التواصل هو إحساسى بأن المستمع أو المشاهد المثقف أو المستنيرلن يتحمس لرفع سماعة التليفون والمشاركة في برنامج هو نفسه لا يرى له أهمية، وحتى لو كان يحسن الظن بالبرنامج فإنه سيكتفى بالمشاهدة أو الاستماع دون المشاركة، وهذا غير مستغرب فالشخص المحترم يميل بطبعه للإستماع والمطالعة أكثر من الكلام.. المشاهد أو المستمع الغلبان وحده هو الذي سيتحمس للمشاركة، أما بالنسبة للمشاهير والأسماء المعروفة فإن البرامج هي التي تتصل بهم وتطلب مداخلاتهم. كذلك الأمر بالنسبة للمقالات على المواقع الإلكترونية للصحف فإنه لا يتحمس للتعليق عليها في الغالب إلا القاريء الغلبان الذي يُعتبر من ضحايا مشاهدة التليفزيون والاستماع للراديو.
طبعاً ما سبق ليس قاعدة لأنه في بعض الأحيان تحمل المداخلات والتعليقات آراء قيمة وتعليقات رصينة، لكن القاعدة هي أنّ تواضع المضمون هو الأساس في حكاية التواصل والتفاعل. ولقد وصلتُ إلى تصور أن البرنامج والصحيفة لا يحتاجان إلى المتفاعل الذكى أو المثقف الرصين قدر إحتياجهما إلى جمهور كبير تغلب عليه الغوغائية، لأن هذا الجمهور هو الذي ينفق على البرنامج ويُبقى الصحيفة على قيد الحياة، فالإعلانات لا يتلقاها البرنامج الموسيقى الذي يذيع السيمفونيات ولا تأتى كذلك للبرنامج الثانى الموجه لمستمع رفيع الشأن لكنها تأتى لإذاعات الهَشَك والدلال، كما أن نفس الإعلانات لا تذهب أيضاً لمطبوعات الفكر والثقافة وإنما للصحف العادية المصنوعة للقاريء الغلبان.
الخلاصة في رأيى أنّ من حق المتواضعين عقلياً ونفسياً أن تكون لهم منابر تستوعب ما يلوكونه دون أن يزعجهم صاحب رأى أو ذو معرفة، وأننى لا يجب أن أغضب أو أنتظر تواصلاً قيماً بين وسائل الإعلام والمستهلك. لى صديق عنده نظرية في هذا الموضوع خلاصتها أن العيال الذين لم نكن نشركهم معنا زمان في اللعب وكنا نطلب منهم أن يقفوا وراء الجون ليحضروا لنا الكرة هم في الغالب الذين اعتلوا المنصات الإعلامية، وأن ما يقدمونه هو جزء من انتقامهم من المجتمع الذي ظلمهم!.