x

ومن الذهب ما قتل.. حكايات ونوادر ضحايا «الكنز المدفون»

الأحد 08-07-2012 19:38 | كتب: أشرف جمال |
تصوير : أشرف جمال

يهرب الباحثون عن الذهب فى صحراء ولاية نهر النيل من حرارة الجو إلى نهر النيل، الذى يبعد كيلو مترات قليلة عن قرية «أبوحمد»، لكن الهروب من الحرارة أحياناً قد يكون استئذاناً للرحيل من الدنيا، حين يصبح مصير بعضهم بين فكى تماسيح النيل العملاقة المنتشرة بكثافة فى تلك المنطقة.

«العمدة موسى وأحمد سمّاكة».. أشهر صيادى التماسيح فى القناة، التى تفصل بين جزيرتى آل البركية وآل صندلوبة بمنطقة دكاية شمال السودان، يرويان لـ«المصرى اليوم» أبرز وأغرب حوادث التماسيح مع راغبى الثراء، فالعمدة «موسى» يقول: «الناس هنا كانوا يعتقدون أن التماسيح تصطاد الحمير والبهائم فقط، لكن منذ بداية توافد الدهابة على أطراف السودان تغير هذا الاعتقاد، خاصة بعد أن التهم أحد التماسيح عاملاً، وكانت هى الحادثة الأولى من نوعها، بعد يوم من البحث عن الذهب فى صحراء غرب السكوت».

ويضيف «موسى»: «بشكل عام الدولة تتحمل مسؤولية الحوادث التى نراها ونسمع عنها بين الدهابة، فمنهم من يموت بين فكى التماسيح، وآخرون جراء انهيار الكهوف والحجارة يهم فى الصحراء»، مرجعاً اتهامه للدولة إلى أنها لم تتكفل بتوظيفهم وتركتهم فى الصحراء.

قصة أخرى يرويها «سماكة»، قائلاً: «هناك منطقة لا يجرؤ أحد على السباحة فيها لشدة وعورتها، حيث تضع السلاحف والتماسيح بيضها ليلاً قرب شاطئ الجزيرتين، لكن منذ شهور قريبة نزل واحد من الدهابة ليسبح فيها، ورغم أن الناس حذروه من وجود تمساح، لكنه لم يهتم وأخذ يسبح، وعندما استقر وسط النهر رأوا تمساحاً ضخماً بجواره، فصرخوا عليه لتنبيهه، لكنه لم يسمع، وسرعان ما كان بين فكى هذا الوحش الذى نزل به إلى القاع ولم يظهر ثانية».

ويختتم «سماكة» حديثه عن وحش النيل بآخر واقعة شهدتها المنطقة، قائلاً: «التهمت خمسة تماسيح شاباً أمام أعيننا خلال سباحته فى النيل منذ أيام، فقام بعضنا بإطلاق أعيرة نارية لمحاولة إنقاذه، لكن التماسيح نزلت به إلى القاع، باستثناء أحدها الذى تمكنا من اصطياده بالرصاص وسحبناه إلى البر وقطّعناه انتقاماً لزميلنا».

صديقى ودليل رحلتى «عبدالله» كان فى جعبته الكثير من الأساطير والنوادر «الذهبية» التى سمع عنها، بل عاش بعضها، فحكى لى أن رعاة من بدو «قبقبة» هبت عليهم ريح عاتية تبعتها أمطار غزيرة ظلت تنهمر طوال الليل، وفى الصباح خرجوا من خيامهم المبللة، ليجدوا بين الصخور كتلاً ضخمة من الذهب، جرفتها مياه السيول، مؤكداً أن هذه الكتل تخطى وزنها عشرات الكيلوجرمات، فغيّرت حياتهم، فباتوا فى رمشة عين أثرياء لهم خدم وحشم، ومستشارون ومساعدون من الأهل والأقارب وفى مختلف التخصصات.

فى الليل يلجأ الدهابة لجلسات سمر يتبادلون خلالها لعب «السيجا» و«الكوتشينة»، والأحاديث التى حوّلت أطراف بعضها إلى قصص الأساطير والحكايات التى سمعوها عن الذهب والمنقبين، فقال عبدالله الجمعى، وهو رجل شارف على الخمسين من عمره: «من المعلوم أن الكنز يتم تقسيمه على ثلاثة، ثلث للعاملين، وثلث لصاحب العربة، وثلث لصاحب الزئبق وجهاز البحث عن الذهب، فبعد رحلة شاقة وطويلة خلد بعض الدهابة إلى الراحة، بعد أن فشلوا فى الحصول ولو على جرام من الذهب، فخرج أحدهم إلى الخلاء لقضاء حاجته، وأثناء تبوله انكشف له بريق كنز ذهبى ثمين بفعل الماء الذى شكل حفرة، وعندما عاد إلى أصحابه، مستبشراً بما خصه به قدره، قاموا عليه وطالبوه بنصيب الثلثين من الكنز المكتشف، فاشتبكوا فى عراك محموم أودى بحياتهم جميعاً». لم ينتظر الجالسون أن أناقشهم عن كيفية علمهم بتلك الرواية، رغم موت جميع أطرافها، فما انتهى «الجمعى» مما قال، إلا وتبعه شاب يدعى محمد بشر، من أم درمان، بقص رواية أخرى أكثر غرابة، فقال: «ذات يوم عثرت مجموعة من الدهابة على مغارة مليئة بأحجار الذهب، فأخذوا منها ما استطاعوا وعادوا إلى الخرطوم ليبيعوا كنزهم، وبعدما حصلوا على أموال طائلة قرر كل منهم الذهاب إلى بيته، ليعلن وفاة فقره وميلاد ثرائه، إلا أحدهم الذى قرر العودة إلى المغارة ثانية، ليحصل على المزيد من الذهب، وحينما دخل المغارة فوجئ بجنيه تنتظره وتقول له: (كنت أعلم أنك ستعود، لكونك أكثر زملائك طمعاً وحباً للمال، ولأجل هذا لن تحصل على المزيد، بل ولن تتمتع بما أخذت)، فانهارت المغارة وهو بداخلها، لينال جزاء طمعه».

وأمام ما سمعته من «بشر» وما رأيته ممن استمعوا معى إلى قصته، والذين أخذوا يتمتمون بقناعة تامة بما حملته الكلمات من حكم ومواعظ، يجب أن ينتهجوها أثناء عملهم هذا، قررت التخلى عن الواقعية، يقيناً منى بأنهم سيعتبرونها جهلاً وعمى، بل عدم منطقية، فأمّنت على ما قالوا وتمتمت معهم بكلمات تدل على اتعاظى.

ما شاهدته من جرارات عملاقة ولوادر حفر تغزو الصحراء أثار فضولى، ودفعنى للحديث عن أصحاب تلك الآلات، فقال عم إبراهيم زيدان: «عندما سمع رجل أعمال سودانى قصص الثراء السريع، ترك رفاهية وراحات الخرطوم وتوجه الى المناطق الصحراوية البعيدة، متحملاً معاناة سخونة الجو واللصوص والأفاعى بحثاً عن الذهب، فنصب هو ومجموعته معسكراً فى الخلاء اعتادوا عليه، وبدأوا البحث عن الذهب باستخدام آلاتهم وأجهزة كشف المعادن، وأثمرت جهودهم خلال أسبوعين فقط عن كميات من الذهب بلغ وزنها 2 كيلو جرام تقريباً، فكان هذا كافياً لإغراء باقى رجال الأعمال بالقيام بالرحلة الشاقة مع كثيرين تداعبهم أحلام الثراء».

قد يكون وجود الرجال للبحث عن الذهب أمراً مألوفاً، لكن وجود نساء وفتيات فى مناطق التنقيب عن الذهب هو أمر قد يبدو غريباً، لاسيما مع قسوة طبيعة مناطق التنقيب غير المناسبة لطبيعة المرأة.. لكن فى منطقة صحراوية قريبة من دنقلا بالولاية الشمالية، يوجد عدد كبير من النساء والفتيات الباحثات عن الذهب ليس للزينة، بل لبيعه وشراء ما يسد الرمق من عائده. طه عثمان، أحد شيوخ الدهابة، قال لى عن هذه الظاهرة: «عدد الباحثات عن الذهب فى صحراء دنقلا يقدر بأكثر من 250 امرأة قدمن من مختلف أنحاء الولاية على أمل العثور على الذهب، وهن يعملن فى ظروف أقل ما توصف وقاسية ولا تتماشى أو تنسجم مع طبيعة الأنثى، ويتلخص عملهن فى غسل التراب الذى يستخرجه الرجال من الآبار والحفر، بحثاً عن حبيبات الذهب، حيث تقوم النساء بشراء «جركانة» الماء بجنيه من (تنكر المياه) لغسل الذهب، وتحتاج المرأة فى اليوم الى أكثر من أربعة جراكن، ويعملن فى مختلف ظروف الطقس، تحت الشمس الحارقة وعند هطول الأمطار». أضاف «عثمان»: «هناك نساء يقضين أياماً وليالى بمنطقة الذهب، حيث يعتمدن فى أكلهن على الوجبات الشعبية والعصيدة، ويقمن بصناعتها بأنفسهن ويواجهن صعوبات فى أحوال معيشتهن، لكنهن أكثر إصراراً من الرجال على العودة بالذهب الذى يعشقنه».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية