بعد أن اعترف بنفسه على صفحات هذه الجريدة الأسبوع الماضى، وحيث إنه لم ينكر ما نُسب إليه من أقوال، فقد أصبح من المحتم أن يتم القبض عليه وتقديمه فورًا للمحاكمة بتهمة شديدة الخطورة: الشروع فى القتل! لا تتعجبوا، وأعيدوا قراءة شهادته التفصيلية على الحادث الذى نجاه منه اللطيف الرحيم.
حمدت الله كثيرًا على نجاة الإعلامى، الباحث دائمًا عن الحقيقة، الصديق، المناضل يسرى فودة، ولما اطمأننت على قرب شفائه بفضل الله، وجدتها فرصة لفتح موضوعات الأسفلت المزعجة والمرعبة، والتى لم يبخل عليها المتهم يسرى فودة بالتناول من كافة الزوايا والأوجه، بأسلوبه الجذاب إلقاءً وكتابة.
كعادته، حرص يسرى فودة على ذكر الحقيقة المجردة والاعتراف بأن سرعة السيارة عند انفجار أحد الإطارات كانت تقترب من مائة وثمانين كيلومترًا فى الساعة، قالها صريحة ليغلق كل أبواب الشكوك بشأن وجود مؤامرة أو عيب فنى فى السيارة أو خطأ قائد مركبة أخرى...
آثر أن يثبت الخطأ على نفسه، ليكون ذلك درسًا لكل من يتنصل من المسؤولية على أى مستوى، كذلك أعطى يسرى درسًا للشباب – الذين يتخذونه قدوة- بأن السرعات العالية تؤدى بسهولة إلى حوادث شديدة، وأن الكثير من هذه الحوادث ينتهى بمآسٍ قاسية.. حفظ الله الجميع، وسلم كل من يسير على أسفلت مصر، سواء كان من أبنائها أو من زوارها.
كم من الدماء أُريقت هنا وهناك! وكم من الأبحاث والدراسات أُجريت! وكم من التوصيات أُلقيت وسُجّلت! وبقيت الأحوال على ما هى عليه، إن لم تكن قد ازدادت سوءًا.
فى ملف الأسفلت الشهير نتحدث دائمًا عن الأخطاء البشرية والعيوب الفنية للمركبات، وتدنى مستوى الطريق... أما العنصر البشرى، فعلاجه يبدأ بالجدية فى إصدار رخصة القيادة لابن الوزير وابن المشير وبنت الملياردير، ثم تكون جدية التفتيش لضبط المتعاطين للخمر أو البانجو أو أى طين، وكافة المخالفين للقوانين.. أما السيارات واختباراتها، فهى مسألة هندسية بحتة، لا تعرف المجاملات أو الاستثناءات، أقصد هكذا يجب أن تكون، حتى نتخلص نهائيًّا من الميكروباص المظلم، والمقطورة ذات الإطارات الممسوحة، والسيارات التى تستخدم «تيل فرامل» مغشوشًا.. وغير ذلك الكثير مما نتندر منه ليل نهار.
ولا يكتمل هذا التحليل السريع إلا بالحديث عن الشارع، أو ما نسميه تجاوزًا بالشارع، ربما من طول العشرة، أو لأننا لم نجد له بديلاً!!
يكاد طريق العين السخنة يكون هو الطريق السريع الوحيد الذى يقترب من المواصفات القياسية الدولية، أما الغالبية العظمى من طرقنا، فهى أقرب إلى مدقات الغابات والصحارى والوصلات التى تسير عليها الجرارات بين القرى.. دعونى أستعيد معكم صفة المعمارى، وأقول: إن أهم ما يعيب طرقنا هو أنها بلا ملامح، لا تعرف لها أول ولا آخر، وتنظر إلى خطوطها الوسطى –إن وُجِدت- على أنها زينة، أو طفح جلدى.. أقصد طفحًا أسفلتيًّا يزول بسرعة مع مرور المركبات الثقيلة عليه.
يا سادة يا كرام، لقد مضى زمن تصميم الطريق ووضع المواصفات؛ استقر هذا العلم، وأصبحت له قواعد فى غاية الدقة، ولم يعد مطلوبًا إلا تطبيقها تطبيقًا لا يعرف الابتكارات اللولبية كتلك الدورانات المزروعة على يسار الطريق، وكأنها مصايد أرواح.
لا بد من البدء فورًا فى رسم ملامح الطريق الخارجية وحاراته الداخلية ببويات مطابقة للمواصفات، مع رفع كافة المطبات، ووضع برنامج ثقافى عاجل يخضع له كل صاحب رخصة قيادة فى مصر، ويشرف عليه خبراء متخصصون، يكرهون طعم الكوسة!
أسحب بلاغى ضد يسرى، أو أُسلّم نفسى معه، فمن منا لم يخطئ يومًا؟ تقضى الحكمة بأن نتعلم من أخطائنا ولا نكررها، وألا نستخدم «الدائرى» إلا عند الضرورة القصوى!!