x

محمد عبد المنعم الصاوي حسين فورمان محمد عبد المنعم الصاوي الثلاثاء 16-04-2013 23:09


هكذا كنا نلقبه وما زلنا، لدرجة أن معظمنا لم يعد يعرف اسمه الأصلى.. صديقنا وزميل الجامعة حسين كان ملاكمًا أسمر البشرة فى عصر تصدُّر «جورج فورمان» الرهيب لقائمة الملاكمين المحترفين.

استحق حسين لقب فورمان بجدارة، وكان دائم الحديث عن مبارياته وانتصاراته التى لم يكن أمامنا إلا تصديقها، خصوصًا أنها كانت فى نطاق مدينته: السويس.. تُرى هل خدعنا حسين وقتها؟ لا أظن، ولكن هذا لن يؤثر فى تجربتى التى لا أخجل من عرضها عليكم: جيلنا كله نشأ على حب الملاكمة لارتباطها بالأسطورة الكبير «محمد على كلاى»، وإن كنت أتحفظ من وقتها على عبارته الشهيرة: «أنا الأعظم»، وغيرها من التعبيرات التى ابتلعتُها بصعوبة، حبًّا فيه وقبولاً لما فسره المحللون بأنها تلقى على سبيل الحرب النفسية للمنافسين.

تربع فورمان على القمة، وفى كلية الفنون الجميلة قسم العمارة تعرفت على حسين فورمان، ويشاء القدر أن يقع فى يدى كتاب صغير الحجم اسمه «الملاكمة للهواة»، قرأته فى يوم واحد بشغف شديد، وقمت بتقليد كل الحركات المصورة فيه بمنتهى الدقة؛ حفظت عن ظهر قلب أسماء اللكمات: المستقيمة والخطافية والصاعدة وغيرها من المجموعات المركبة... قبل الصباح صدقت أنى أصبحت ملاكمًا بارعًا!

المنظر: رصيف شارع مدخل الكلية، حيث كنا نلتقى عادة.. سيارات تبحث عن «ركنة»، وأشجار عتيقة وبلاطات منزوعة.

الموعد: قبل التاسعة صباحًا ببضع دقائق قلت: صباح الخير يا فورمان. قال: صباح النور، وملأت وجهه ابتسامته المعهودة. قلت: ما رأيك فى مباراة ملاكمة سريعة؟ قال: بكل ترحيب.. ولكن متى؟ وأين؟ ومن هو الخصم؟ رفعت يدى إلى وضع الاستعداد بعد أن نزعت نظارة طبية كنت أرتديها حتى عصر الليزك، وقلت: تلاعبنى أنا، الآن وهنا! اتسعت ابتسامته ثم اختفت، وكأنه أشفق علىّ: «ما بلاش».. أصررت، وانضربتُ بضع لكمات فائقة السرعة!! انتهت المباراة بفرارى بعد ثلاث ثوانٍ.. بفضل الله وبحرص صديقى لم أُصَب بمكروه، ولكنى تعلمت درسًا شديد الأهمية: هناك فارق كبير بين النظرية والتطبيق على الرغم من تداخلهما الظاهر.

نفس هذا الدرس تعلمته قبلها بسنوات فى امتحانات الثانوية العامة.. لعلى لم أتذكر قبل مواجهة فورمان تجربة الامتحانات الفاصلة: كنت أكتفى بقراءة المواد الدراسية واستيعابها جيدًا، وكنت أسخر من فكرة التدرب على حل نماذج الامتحانات، حتى وجدت نفسى محشورًا بين ورقة الأسئلة وورقة الإجابة، أحاول تذكر ما قرأته من الدروس واستخدامه فى الحل.. قلت وقتها لنفسى: هذا ثمن عنادك وإصرارك على الاكتفاء بفهم الدروس نظريًّا، مع عدم الدخول فى أى تطبيقات.

جاءت تجربة فورمان مؤكدة لتجربة الثانوية العامة، والمعنى القيم الذى لم أعد أنساه أبدًا: النظرية أساس جيد، ولكنها تُمحى بسرعة إذا لم تُدعم بالممارسة المتكررة والتطبيق.. على المستوى السياسى وقعنا فى العديد من الأزمات والصدامات، لأننا تصورنا أن إلمامنا بالنظريات المختلفة يكفى، وحينما نزلنا إلى أرض الواقع اكتشفنا أننا لم نتمكن بعدُ من الأدوات التى نستخدمها.

لا يكفى أن يحفظ الشخص السلم الموسيقى ليصبح موسيقارًا، فالأخير يمر بالعديد من التجارب، ويطّلع على مئات التطبيقات -فى هذه الحالة الألحان- قبل أن يتجرأ على صياغة عمله الأول.. يجمع التعليقات، وينصت للآراء والانتقادات حتى يطور أداءه مرة بعد الأخرى. الأمثلة كثيرة، ولكننا لا نلتفت إليها!

من هذا المنطلق أدعو دائمًا إلى إعطاء الفرصة للشباب والمبتدئين وأصحاب التجارب الأولى، والصبر عليهم حتى يتقنوا ما يفعلون، قبل أن نتسرع بالحكم عليهم.. لا يبنى الشخصية وينمى المهارات أفضل من الممارسة الفعلية وتحمل المسؤولية كاملة.

تذكرت هذا كله، وقررت أن أطرحه عليكم فى مقال، حين تَحَفَّظَ أحد أصدقائى على ترشيحى لشابة فى نصف عمرى لتحل محلى فى التحدث عن الساقية فى مناسبة مهمة.

وفى النهاية أشكر حسينًا على العلقة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية