x

سعد الدين ابراهيم حمادة المصرى.. اختطاف روبين هود ميدان التحرير سعد الدين ابراهيم الجمعة 08-03-2013 22:19


حضر إلى مركز ابن خلدون منذ أيام السيد أسامة بُرهان، نقيب الاجتماعيين المصريين، وهم مائة ألف إخصائى اجتماعى ينتشرون فى كل مفاصل الدولة، وكل شعاب المجتمع المصرى المُعاصر، وكان النقيب أسامة بُرهان فى حالة حُزن وغضب.

وعلى غير العادة، فى عرض الإنجازات أو التنويه بمطالب زُملاء المهنة، كان النقيب مهموماً للغاية بما يحدث للثوار من شباب التحرير، ومنهم مئات الاجتماعيين، وذكّرنى أسامة بُرهان بواحد من أنشط هؤلاء الاجتماعيين، وهو حمادة المصرى، الذى كُنت قد التقيته فى عدة مُناسبات فى نقابة الاجتماعيين، وفى إحدى خيام ميدان التحرير.

كان حمادة المصرى من طول اعتصامه بالتحرير خلال أيام الثورة (25 يناير -11 فبراير 2011)، ثم خلال السنتين التاليتين قد اكتسب شُهرة ومعرفة بكل رُكن فى الميدان، وكذلك خبرة واسعة فى تحريك مجموعات المُتظاهرين، وفى ضبط مداخل ومخارج الميدان، كما كان هذا الشاب ماهراً فى توفير سُبل الإعاشة والمرافق المطلوبة لآلاف المُتظاهرين، وكان يفعل كل ذلك بسلاسة ويُسر وهدوء، ودون طنطنة أو رنين، وكان الآلاف من المُتظاهرين والمُترددين على الميدان يعرفون، ويحترمون محمد أو (حمادة) المصرى، فقد كانوا يستجيبون لتوجيهاته، ونصائحه، ولكن الأجهزة الأمنية كان لها رأى آخر، فقد كانت تحسده على هذه القُدرات، رغم أنها كثيراً ما لجأت إليه، كارهة، تنشد مُساعدته فى فتح مداخل ومخارج ميدان التحرير لحركة المرور، أو لتمركز سيارات الأمن والجيش.

لكن التدريب والتنشئة المهنية للعاملين فى الأجهزة الأمنية تُعمّقان فيهم قيمة السيطرة، والرغبة فى كسر إرادة المواطنين، وهو عكس ما كان يُمارسه محمد المصرى، فقد كان يتأسى بالتوجيه الربانى للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) «لست عليهم بمُسيطر»، لذلك كان حِقد بعض عناصر الأجهزة الأمنية على محمد المصرى يتزايد مع كل خدمة عامة يؤديها هذا الشاب دون أن يتوقع جزاءً أو شكوراً، وربما كان ينطبق على تلك العناصر الأمنية الحديث النبوى الشريف «اتقِ شر من أحسنت إليه».

وفى إحدى ليالى الأسبوع الثانى من شهر فبراير 2013 استدرجت قوة أمنية محمد المصرى إلى أطراف الميدان، ثم إلى قسم إمبابة، ثم ألقت القبض عليه، وقدمته للنيابة العامة للتحقيق معه فى عِدة تُهم جرى تلفيقها على عجل، مثل حمل أسلحة بغير ترخيص، أو سرقة أسلحة وذخائر بالإكراه من قوات الأمن، أو من سيارات ومخازن البوليس، أو إتلاف مرافق عامة.

وكالعادة، حينما تفشل الأجهزة الأمنية فى إقناع النيابة أو قاضى التحقيق بما تقدمه من أدلة اتهام، فإنها تستصدر أوامر حبس مُتجددة لمُدة خمسة وأربعين يوماً على ذمة التحقيق، أو إلى أن تستكمل هى إحضار مزيد من الأدلة.

كذلك فمن وسائل الالتفاف على القانون، أو إساءة استخدام إجراءات التقاضى، التوجّه إلى المحكمة مُبكراً، ومثول النيابة، أى جهة الاتهام أمام القاضى، بينما يتم تأخير المُتهم عنوة بواسطة ضُبّاط الأمن، الذين يحتجزون المُتهم فى مكان غير معلوم للمحكمة، فيوقّع عليه القاضى المُختص العقاب الذى ينص عليه القانون غيابياً دون سماع دفاع هذا المُتهم.

وهذا تحديداً ما حدث فى حالة حمادة المصرى. هذا رغم أن جيشاً من المُحامين، الذين عرفوا محمد المصرى من كثرة ترددهم على ميدان التحرير خلال العامين الماضيين، أو الذين سمعوا عنه وعن وطنية قلبه وشهامته، وقُدراته الاستثنائية فى حل المشكلات، وتصريف الأمور فى ميدان التحرير- قد خفوا للدفاع عنه.

ويُجمع من أتوا مع النقيب أسامة بُرهان، للاستغاثة، ولإنقاذ حمادة المصرى من براثن الأجهزة الأمنية، أن هذه الأخيرة ربما يكون قد تم اختراقها من عناصر إخوانية، وأن العناصر الإخوانية لم تتمكن بدورها من السيطرة على كل ميدان التحرير، بسبب شعبية وتأثير حمادة المصرى. وتعجبوا كيف أنه فى لحظة غريبة توحّد الحِقد الإخوانى مع الحسد الأمنى تجاه حمادة المصرى، الذى لقّبه زُملاؤه باسم «روبين هود» المصرى، فى إشارة واضحة لأوجه الشبه بينه وبين شخصية أسطورية أوروبية لأحد فرسان القرون الوسطى، الذى كان يسطو على أملاك وأموال الأغنياء، ثم يتولى توزيعها على الفُقراء والمحتاجين وأبناء السبيل.

لقد تصادف أنه فى مساء نفس اليوم الذى علمت فيه بقضية حمادة المصرى، أو روبين هود المصرى، أننى شاهدت فاصلاً لبرنامج الإعلامى اللامع يُسرى فودة على قناة On Tv، ثم مُقابلة مع الناشط الحقوقى شادى الغزالى حرب يسردان فيها حكايات مُماثلة لآخرين فى ميدان التحرير، بل لمواقع أخرى فى الإسكندرية، وغيرها من المُدن المصرية.

وخُلاصة القول أن حكاية حمادة المصرى، والآخرين ممن ورد ذكرهم فى ذلك البرنامج الحوارى، تسّلط الضوء مُجددا على الضرورة القصوى لإعادة هيكلة جهاز الأمن، وإعادة تأهيل العاملين فيه، وكنت قد فاتحت أول وزير داخلية بعد الثورة، وهو اللواء منصور العيسوى فى هذا الأمر، وذكرت له فى مُقابلة طويلة فى مكتبه تجارب دول أخرى حكمتها أنظمة استبدادية مُماثلة لنظام مُبارك، وشهدت ثورات مُشابهة لثورتنا المجيدة، وقامت بإصلاح أجهزتها الأمنية على نحو يتناسب مع ثوراتها الديمقراطية، وضمن هذه الدول كل من بولندا، وتشيكوسلوفاكيا فى أوروبا، وتشيلى والأرجنتين فى أمريكا اللاتينية، وجنوب أفريقيا والمغرب فى أفريقيا، وإندونيسيا والفلبين فى آسيا، ورحّب الوزير منصور العيسوى بالفكرة ترحيباً شديداً وقتها، وطلب من مُدير مكتبه، وقتئذ، المُقدم أحمد الدسوقى أن يجمع وكلاء الوزارة، وطلب منى إعادة عرض مُقترح إصلاح الجهاز الأمنى، وبعد أن فرغت من العرض، وأجبت عن الأسئلة والاستيضاحات انضم هؤلاء ـ لواءات الداخلية ـ إلى وزيرهم فى الترحيب بالفكرة، التى عرض الاتحاد الأوروبى تمويلها، وتزعّم السفير البريطانى فى ذلك الوقت المُشاورات بين الدبلوماسيين الأوروبيين والجهات المصرية المسؤولة، وكان الاتفاق أن يبدأ تنفيذ المشروع فى خريف 2011. ولكن مع ذلك الوقت كان وزير الداخلية، اللواء منصور العيسوى قد تغيّر، وطوى المشروع فى دهاليز البيروقراطية المصرية بلاظوغلى. فلا حول ولا قوة إلا بالله.

وعلى الله قصد السبيل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية