تنشأ النزاعات فى المجتمعات التى تعجز عن التوافق وإيجاد صيغة للتعايش بين أفرادها، وفى كل التجارب الإنسانية التى استطاعت النجاح كان دور النخبة قيادة المجتمع إلى التوافق وإدارة الاختلاف بآليات تبعد شبح تفتت المجتمع وتناحر فئاته، وكذلك تجنيبه ويلات اللجوء للاقتتال الداخلى لحسم الخلاف.
فى مصر تقوم النخب السياسية المتصارعة بدفع المجتمع إلى الاقتتال وصناعة الفوضى.. نحن أمام طرف حاكم يجيد خلق المشاكل وفتح الباب للفتن، فى مقابل طرف معارض يقوم بإشعال المشهد أكثر، وبين الدماء التى تسيل يظل الطرفان يتبادلان اللوم وتحميل المسؤولية للطرف الآخر.
ملهاة من العبث والمعارك التافهة التى لا تعنى عموم المصريين، وفشل فى الجلوس لحوار يقود المجتمع للتوافق، استعلاء وعناد وعدم قدرة على تقبل نقد الذات ومراجعتها، تقابله حالة مراهقة غير مسؤولة لا تقدر أبعاد الموقف المتأزم، بل تقوم بتهيئة المناخ أكثر لصناعة الفوضى، التى تظن أنها ستجعلها تقصى الطرف الآخر وتحل مكانه، وهذا وهم مرضى يستوجب العلاج.
تتصاعد حالة الأورجازم الثورى لدى البعض ممن فاتته اللحظة الثورية الحقيقية، فقرر أن يلحق بالثورة، لكن عبر تلويثها بمسار العنف. يجب أن يعلم كل من امتدت يده لصناعة عنف وتخريب أو حرق منشآت خاصة أو عامة أنه يعمل ضد الثورة ويخصم من رصيدها لدى الناس.
كل من هللوا لمشاهد العنف وظهور ميليشيات على الجانبين هم شركاء فى القتل، كل من يعطى الغطاء السياسى للخروج على القانون باسم الثورة يجرم فى حق الوطن، كل من فشل فى إدارة الصراع السياسى، فاحتمى وراهن على الدماء لإسقاط خصمه هو نموذج للجبن والخسة وعدم الأخلاقية.
كل من يعتقد أن صناعة الفوضى ستغير النظام واهم، ستحرق الفوضى الجميع وستزيد النظام رسوخا وقربا من عموم الشعب الباحث عن الاستقرار، والذى سيتعاطف مع النظام الحاكم، وسيطلب منه الضرب بيد من حديد حتى لا تسقط الدولة.
كل من يحكم ويحتمى بجماعته وعشيرته ويعتقد أنها ستحميه من الشعب، فيستعلى ويعاند ويتجاهل الواقع سيطأه الشعب ويلقى به فى مخلفات التاريخ.
المقاتلون الإلكترونيون الشجعان الذين يسبون كل من يدين العنف ويتهمونه بالخيانة، كفاكم استرخاء فى حجراتكم المكيفة، وكفاكم نضالا من خلف الشاشات. لو مات لكم أخ أو أخت من ذويكم فى مواجهات العنف التى تباركونها وتصفقون لها ما كان موقفكم ليظل هكذا، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة.
الكل يتاجر بالدم، لأنه بعيد عنه، ترقصون على أشلاء الوطن وأرواح الأبرياء تزدريكم، فلا أقدس من النفس البشرية التى هيأتم المناخ لقتلها، ومازلتم تكملون لتتلوث أيديكم وألسنتكم بالدماء التى تسيل.
إلى شباب الثورة الشرعيين تبرأوا مما يحدث، فليست هذه معركتنا، ولن نكون طرفا فى قتل المصريين الذين ثرنا لكى نحررهم ونحافظ على حياتهم الإنسانية. هذا المشهد الدموى سيقضى تماما على الثورة لتظل لدى الناس ذكرى سيئة، امتلكوا الشجاعة لتقولوا ذلك ولا تخافوا من المزايدات على أشخاصكم، إن لم تكونوا رجالا الآن فلا حاجة للوطن إليكم فقد سقطتم.
إلى كل السياسيين الفرصة الأخيرة أمامكم لتتطهروا من الدماء التى سالت بسببكم، اجلسوا معا على الفور – بلا شرط ولا عبث - من أجل الوطن وليس السلطة، وإن لم تفعلوا فأنتم قتلة.