«مدهش» هى الكلمة الوحيدة الصالحة لوصف خطاب د.مرسى أمام مجلس الشورى.
ولا تنبع الدهشة من حداثة وغرابة طقس الاحتفال أو ما قالته الكلمات أو النبرات والإشارات الخفية، بل بسبب أن كل هذا قديم جدًا، بحيث لا يمكن قياسه على خطب أخرى لمرسى، بل على خطابات مبارك.
المناسبة مختلفة والرجل متجدد وخطاباته تختلف فى السراء عنها فى الضراء، سريع الفرح، يهدد الآخرين ويرفع سقف التشدد بعد كل نصر صغير، وهذه استراتيجية تصلح فى الحرب مع العدو وليس مع قوى وطنية.
وضع الشريك محل العدو هو سبب صعوبة قياس خطاب لمرسى على خطاب آخر، لكن من السهل جدًا قياس مرسى على مبارك، وقياس مناسبة على أخرى تشبهها.
كان افتتاح مبارك لمجلس شعب 2010 المزور آخر ظهور علنى له فى حالة تحد للمعارضة. توقفت السيارة السوداء أمام مجلس الشعب، واصطف الحرس، ثم استقبله النواب المجردون من الشرعية بالتصفيق، ثم خطب وأخرج بمرح لسانه للمعارضة التى أعلنت برلمانًا موازيًا بتعبيره الشهير: «خليهم يتسلوا».
مرسى اختار أن يفتتح دورة الشورى فى مقر الشعب، وربما وقعت عجلات سيارته على أثر عجلات سيارة مبارك وتلقى مظهر الفخامة نفسه من الحرس، وترجل أمام المدخل نفسه، مدخل الأعمدة الرفيعة التى تدعو من يعبر بينها إلى الترفع، لكن نادرًا ما يلاحظ العابرون رسائل العمارة.
مظاهر الاستقبال أكبر فخ يقع فيه رؤساء مصر، عندما يقيسون حجم شرعيتهم طبقًا لفخامة المراسم، بينما تقوم البيروقراطية بخطواتها المحفوظة تجاه المنصب لا الشخص.
الكمين البيروقراطى خالق أوهام النصر هو الذى جعل مضمون «خطبة الفتح» لدى مرسى تشبه «خطبة الوداع» التى ألقاها مبارك، وإن اختلفت طريقة اغتصاب الإرادة حسب مرجعية كل منهما.
مبارك القادم من أكثر مواقع البيروقراطية انضباطًا (العسكرية) حافظ على شكل النظام ولعب من داخله مزورًا النتائج، بينما مرسى القادم من جماعة دينية- ترى نفسها فوق الدولة- أزاح النظام جانبًا وافتتح مجلسًا باطلاً بالثلاثة:
■ الانتخاب وفقًا لقانون باطل، وبنسبة تصويت تجعله باطلاً طبقًا لأى عرف سياسى.
■ الانتخاب تم على أساس سلطاته القديمة الاستشارية، ثم منحه سلطة التشريع وحصنه من القضاء.
■ استخدام الدستور الجديد لمنحه سلطات تشريعية، ولا يوجد فى العالم نص يطبق بأثر رجعي، وفى اللحظة نفسها تم تعيين 90 عضوًا بالمخالفة لنفس الدستور!
هو إذًا الاتفاق فى عدم شرعية مجلسى مبارك ومرسى واختلاف فى الدرجة، مثلما يتشابه كلام الخطبتين فى الجوهر ويختلف فى تفاصيل صغيرة.
فى السياسة: دعوة المعارضة للحوار، لكنها دعوة المنتصر الذى له حق ازدراء الأسير المدعو للمثول بين يديه، لذلك فالخطاب لا يسمى المعارضة، وإنما يشير إليها بـ«أقول للجميع» وأما مضمون العرض- بعد احتلال المنتصر لكل الأرض- فهو مجرد دعوة للدردشة ودعوة للعمل والإنتاج، وكان مبارك يترك هذه المهمة لصفوت الشريف حتى يتحمل مساوئ السفسطة الفارغة.
فى الاقتصاد: تلفظ مرسى للمرة الأولى بعد انتخابه بكلمة «النهضة» التى دخلت قاموس الألفاظ الخادشة للحياء بعد اكتشاف زيفها، ثم أتى بأرقام سرعان ما ثبت عدم مطابقتها للواقع، وهذا أيضًا ما كان مبارك يتركه لأحمد نظيف، ليحمل عنه أوزار عدم قول الحق.
وإذا كان المستمع عاقلاً فلابد أن يسأل كيف يدعو المعارضة للحوار إذا كانت ضعيفة كما يقول؟ وكيف يحملها مسؤولية الفشل الاقتصادى إذا كانت أقلية؟ وأى نوع من العمل يدعوها؟ هل مطلوب من البرادعى الذى بلغ سن التقاعد أن يبحث عن عمل يدوى أم يتخذ القرارات وهو غير مسؤول؟
مرة أخرى، نحن أمام قطار خارج عن القضبان يتقافز الحلفاء من نوافذه، بينما السائق مقتنع بمهارته ويعلق مسؤولية الخطر برقبة «قلة» من الركاب. وهكذا فعل مبارك فى خطبة الوداع.