يبدو أننا فعلاً قد دخلنا مرحلة جديدة فى الصراع المُحتدم بين القوى الوطنية الديمقراطية التى تؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع، وبين القوى غير الوطنية الفاشية ذات المشروع السياسى المُتسربل بالدين الإسلامى، والتى تمثلها بالدرجة الأولى تلك الجماعة غير القانونية التى حملت الخراب وبذور التعصب والتخلف فى كل مكان حلت فيه شرقاً أو غرباً، وأعنى بها «جماعة الإخوان» الذين ينعتون أنفسهم بالمسلمين كنوع من التضليل واستغلال المشاعر الدينية للملايين من البسطاء الذين هم أيضاً مسلمون، وربما يكونون أكثر تديناً وحِفظاً لإسلامهم منهم. أتصور أن هناك مرحلة جديدة قد بدأت فعلاً فى هذا الصراع بعد الانقسام الواضح الذى نتج فى مصر بعد تولى أحد هؤلاء الإخوان سُدة الحكم، والذى ضرب مصر فى الصميم فى خلال شهور معدودات.. فقد دأبت «جماعة الإخوان» فى الشهور الأولى لتولى د. مرسى الحكم على الزعم بأن ما يُثار عن اتجاه «لأخونة الدولة» ما هو إلا محض افتراء وادعاء،
بل كان بعضهم على الفضائيات المختلفة يستنكر بشدة هذا التعبير، ويصفه بأنه مجرد أوهام فى عقول البعض الذين يكرهون الإسلام «وكأنهم هم الإسلام»، وبعضهم يرى - وهو يعرف أنه كذاب - أن عدد من ينتمون إليهم والذين تولوا مناصب عليا وقيادية فى الدولة قليل جداً، لأنهم ببساطة شديدة لا ينوون الاستحواذ والاستئثار وإقصاء كل من يخالف نهجهم، وكان بعض آخر منهم يتحدث عن أنه من الطبيعى أن يختار الرئيس من جماعته من يثق فى ولائه حتى يستطيع أن يحقق ما يدعيه من مشروع للنهضة «الذى هو ليس أكثر من مجرد أوهام فى عقول محدودة الخبرات والقدرات». انتقلنا إلى مرحلة مختلفة هذه الأيام، بدأت عقب قرارات الرئيس المفاجئة بإعلانه الدستورى غير الشرعى، ثم ما تلى ذلك من إصرار غريب على سرعة فرض دستور لا يحقق حداً أدنى من التوافق ويؤسس لدولة دينية فاشية، وما ترتب على ذلك كله من انقسام حاد أو بالأحرى شرخ خطير فى بنية الوطن، نتج عنه تقاتل أبنائه فى الشوارع وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.. وفى تقديرى أن هذه المرحلة الجديدة قد أوهمت هؤلاء الذين يُرشدون ويأمرون هذه العصابة من وكرهم فى جبل المقطم، أن مرحلة «التمكين» التى ظلوا يحلمون بها ويتوهمون أنهم واصلونها لاريب قد بدأت، ومن هنا تغيرت لهجتهم واحتدت ألسنتهم وأسقطوا النقاب عن وجوههم الغادرة فصارت حقيقتهم سافرة.. فهذا واحد منهم ولوه فى غفلة من الزمن وزارة الإعلام يقول على رؤوس الأشهاد وعلى شاشة تليفزيون الدولة إنه يشرُف بعضويته لجماعة الإخوان، وأنه عاش حياته يحلم بأن يحقق الله لهم هذا التمكين.. ولاغبار على الرجل فى هذا الكلام، فهو حر فى اعتقاده الشخصى وفى فهمه للدين الذى يتسق مع قدراته العقلية، ولكن أن يتبجح ويتحدى ويقول «للأسف أنه لا يوجد إخوان بماسبيرو، ولو كان هناك إخوان لفضلتهم فى التعيين، وربنا يرزقنا بالإخوان»!
ويسهب الوزير الإخوانى فى تبرير حججه الواهية فى محاولته «أخونة الإعلام» فقال لافض الله فيه «إن لديه حكم قضائى ينص على أن فصيل الإخوان هم الأجدر لشغل المناصب والوظائف العامة، ذلك لأنهم هم الأكفأ والأكثر أمانة من غيرهم»! وهكذا يطعن الرجل فى كفاءة وشرف وأمانة من هم ليسوا من فصيلته بدون دليل أو برهان، ويجتزئ بعضاً من نص حكم قضائى فى قضية ما ليبرر انحيازه للجماعة على حساب الوطن، تماماً كما يجتزئ من آيات الله ما يحاول أن يثبت به صحة كلامه، مثلما اقتبس من كلام الله «إن خير من استأجرت القوى الأمين»! لايمكن الرد على هُراء هذا الرجل ولكنى أقول لرئيسه الذى عينه «إن شر من استأجرت الكذَاب اللعين». دليلنا الآخر على أننا دخلنا مرحلة جديدة تظنها «عصابة الإخوان» أنها بداية مرحلة «تمكينهم» من الدولة، هو تلك التصريحات التى أطلقها مرشدهم عن القوات المسلحة ومحاولة استمالة جنودها «الذين هم جند مصر لا جند جماعته المُخربة» ضد قادتهم وإحداث فتنة ووقيعة بالجيش، وهى منطقة كان لا يمكن أن يقترب منها أحد ممن يتمنون خير وسلامة هذا الوطن والحرص على وحدته وقوته، إلا هؤلاء الذين تعلو لديهم مصلحة الجماعة فوق أى اعتبار. إنها فى رأيى مرحلة جديدة يظنونها غباءً وجهلاً أنها بداية تمكينهم من أرض مصر.. وأقول لهم بوضوح شديد إنها فعلاً بداية مرحلة جديدة ستؤدى بأقرب مما يتصورون إلى تحلل هذه الجماعة بعد ظهور حقيقتهم غير الوطنية الفاشية المتسلطة هم وذيولهم الذين كشفتهم الأيام الأخيرة، وحقيقة قدراتهم المحدودة وخيبتهم فى إدارة الدولة، وسيضع شباب مصر الحر النهاية التاريخية الحتمية لهذه الحقبة السوداء من تاريخ مصر، التى لوثتها هذه الجماعة، كما لوثت الدين الإسلامى بأكثر مما فعل أعدى أعدائه.