نجح الرئيس مرسى وجماعته فى بناء وتوحيد صف واسع من المعارضة التى كانت منقسمة قبل ذلك، وعلى الرغم من التناقضات الهائلة التى توجد بين صفوف المعارضة من اليمين لأقصى اليسار، فإنها وجدت نفسها، رغما عنها، تتوحد تحت تأثير مطرقة القرارات غير المدروسة التى قسمت المصريين، وعبر الممارسات غير المسؤولة للنظام الحاكم.
لم يوحد مرسى خصومه فقط، بل استطاع خسارة مؤيديه من المعارضين المشهود لهم بالموضوعية والإنصاف والعقلانية الذين وجدوا أنفسهم يصطفون، رغما عنهم، مع معارضين آخرين طالما انتقدوا طريقة معارضتهم وممارساتهم السياسية.. العيون تتعلق الآن بهذه المعارضة التى تبدو متوحدة وعلى قلب رجل واحد، رغم التناقضات التى يعرفها الجميع.
السؤال المهم الآن: هل ستستطيع هذه المعارضة التماسك وخوض المعركة الانتخابية القادمة موحدة بلا تفتيت للأصوات بينها – كما حدث فى الانتخابات البرلمانية الماضية – التى صبت فى صالح تيار الإسلام السياسى، خاصة فى نظام القوائم الذى ساهم فى دخول أعضاء للبرلمان ما كانوا ليدخلوا لولا هذا النظام الذى لم يعرف الناس من انتخبوهم فيه؟
ثمة إشكاليات ملحوظة فى المشهد تتعلق بالتحالفات الانتخابية المتوقعة منها:
أولا: حالة النقاء الثورى التى تعنى كثيرا من الناخبين، خاصة أصوات الشباب التى ستجد صعوبة فى دعم تحالف مختلط برائحة النظام القديم، وإن كانت هناك قطاعات أخرى لم يعد معيار الثورية مهماً لها كما كان قبل ذلك، ودافعها الأول هو وجود أى قوة تستطيع مواجهة الإخوان وإحداث حالة الاتزان.
ثانيا: صراعات الأحزاب والأشخاص على تصدر رؤوس القوائم لضمان الفوز بمقعد البرلمان الذى يضمنه تصدر القائمة غالبا، وهذا هو السبب الرئيسى لتفجير أى تحالف انتخابى وانهياره إذا لم يتم تغليب المصلحة العليا للوطن على مصالح الأفراد والأحزاب.
ثالثا: صعوبة المنافسة على المقاعد الفردية التى تمثل ثلث مقاعد البرلمان، حيث إن الانتخابات فى الدوائر الفردية تحتاج إلى مرشحين بسمات خاصة، أهمها وجود الرمزية السياسية والإعلامية والشعبية المسبقة وقوة التمويل وحسن التنظيم الذى يحسم مصير هذه الدوائر.
فى ضوء هذه الإشكاليات تحتاج قوى المعارضة إلى حسم أمرها مبكرا وتبنى خطاب سياسى واضح يبين لقواعدها ومؤيديها مشروعية القرار النهائى الذى ستتخذه حول شكل التحالف الانتخابى ومكوناته والذى لن يكون عقبته الوحيدة بعض المحسوبين على النظام القديم من أفراد ورموز وكيانات، بل أيضا التحالف مع قوى ديمقراطية محافظة يراها البعض جزءاً من تيار الإسلام السياسى، وإن اختلفت مواقفها بالكلية عنه.
معركة اختيار المرشحين للقوائم وترتيبهم يجب أن تتم داخليا عبر معايير موضوعية تضمن وصول الأكفأ وإخراج عنصر المال منها، لأن الانتخابات السابقة شهدت تصدر عدد غير قليل لرؤوس القوائم بسبب إنفاقهم وقدرتهم المادية فقط، كما أن محاباة بعض الأشخاص، بوضعهم كرؤوس للقوائم دون معايير موضوعية، تتسبب فى خسارة القائمة كثيراً من المقاعد.
أما المقاعد الفردية فهى الأشد صعوبة وهى تحتاج إلى أن يخوض انتخاباتها رموز وطنية يعرفها المصريون ويثقون بها، مع التأكيد على عدم تفتيت الأصوات بدخول مرشحين من الاتجاه نفسه فى دوائر واحدة كما حدث العام الماضى.
معركة البرلمان هى المعركة الفاصلة، وهى التى ستحدد هل سيتم تعديل هذا الدستور وإعادة التوازن للمعادلة السياسية أم لا.. ننتظر بارقة أمل جديد يمحو أحزان الماضى القريب.