x

أيمن الجندي الذي تصنعه الوحشة بنا (2 ـ 2) أيمن الجندي الأربعاء 19-12-2012 20:56


تُرى ماذا ستستفيد الشجرة من ملاحقته؟.. إنه – فيما يعلم- لا يملك شيئا يثير شغف أى مخلوق حتى لو كان شجرة! لكن ماذا يدرى هو عن عالم الأشجار؟ بل ماذا يدرى عن أى شىء آخر فى هذا الكون الغامض الحزين؟!

لكن لماذا يروق له أن يرنو إليها فى وله كما يغازل الرجل امرأة؟ ولماذا تبدو له كمراهقة حالمة؟ وتهز شعرها – أقصد غصونها- فى دلال كلما تبسّم لها؟ ولماذا تتكدر إذا نظر إلى شجرة أخرى؟

عجيب هذا! والأعجب أنه لم يكد يتبادل الحديث مع أحد منذ ما يقرب من أسبوع! شهر! عام! عشرة أعوام!. منذ وفاة والديه لم يعد له صديق إلا جار عجوز مات هو الآخر. مسكنه خالٍ ومُتسع ورغم ذلك مكدس بعشرات المخلوقات المستوحشة. يراها بطرف عينيه فى الصالة العجوز ويسمع صراخها فى الغرفة الموصدة. فى البدء كان يغطى رأسه بالوسادة ويرتجف. ثم اعتاد الأمر مثلما اعتاد الأشياء الأخرى.

الشىء الذى لا يفهمه هو: لماذا تكون حياة البشر مشحونة بالصراع على الرغم من قصرها وحتمية الموت فيها؟! هب أن بعضنا ذهبوا للنزهة فى القناطر مثلا، وحملوا معهم طعامهم وشرابهم، كان أمد الرحلة قصيراً والحافلة ستتحرك حتماً عند الغروب، وكان اللون الأخضر يمتد إلى آخر آفاق البصر. لكنهم راحوا يتقاتلون ويتصارعون ويطرحون بعضهم البعض من أجل الاستئثار بالطعام كله رغم أنه يكفيهم جميعاً! لم يفطن أحدهم إلى أن الصراع استنفد النهار كله، والغروب الحزين يوشك أن يسقط عليهم والحافلة تهدر على وشك المسير.

أيهما أشد عجباً: هذا أم شجرة تتحرك؟!

على كل حال لا داعى لكل هذه التساؤلات، فالشجرة كفت فجأة عن ملاحقته! لا عرف سبب الملاحقة ولا عرف سبب الانصراف! ولم يدر أيضا ماذا حل بها: مريضة؟ صدمتها سيارة؟ تاهت؟ سئمت السير؟ وقعت فى غرام رجل آخر؟ لا ريب أنه مجنون وإلا فلماذا تعذبه الفكرة! يشعر بالغيرة من فكرة أنها تلاحق رجلا آخر. انتهى الأمر دون تفسير كما بدأ دون تفسير لكنه أورثه الحسرة. ليس بوسعه أن يزعم أنه لا يبالى! لقد اعتاد ملاحقتها فهو شأن أى مخلوق آخر بحاجة إلى الرفقة!

انتصف النهار وهى لم تأت. اقترب الغروب وهى لم تأت. ذهب الليل وبزغ نهار وهى لم تأت. راح يتلفت يمينا ويسارا. لم يكن لديه ما يفعله هذا اليوم ولا أى يوم، لذلك راح يتسكع فى الطرقات حتى رأى هذا الكلب:

البائس مثله.....

الوحيد مثله.....

التعيس مثله....

وكمثل اليقين يستحوذ عليه، تأكد أن هذا الكلب ضالته المنشودة. ولذلك راح يتبعه بلا تردد، يركض الكلب فيركض خلفه، يقف لاهثا فيقف مثله، يتسكع هنا وهناك فيتسكع هنا وهناك.

وعلى هذا النحو أنفق نهاره ملاحقا الكلب غير عابئ بنظرات الارتياب التى راح الكلب يحدجه بها من آن إلى آخر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية