x

أيمن الجندي الذي تصنعه الوحشة بنا (1-2) أيمن الجندي الثلاثاء 18-12-2012 21:35


كان الأمر أقرب إلى الجنون. فى البدء لاحظ أنه يرى شجرة معينة أكثر من اللازم. تكرار الأمر هو ما دفعه للانتباه رغم انحصاره المزمن فى عالمه المغلق. لم يكن خبيراً بالشجر ولا حتى يعرف أسماءها، لكنها بدت له شجرة مراهقة. ليست راسخة كتلك الشجرة العتيقة التى تمتد غصونها إلى شرفة بيته، ولا صغيرة كتلك التى زرعها جاره العجوز - وصديقه الوحيد - قبل أن يموت. أوراقها ليست داكنة الخضرة لكنه اللون الصافى الحساس. أما أغصانها فقليلة التشابك وكأنها أطراف بشرية محددة. موضع الرأس فيها صغير، ولولا المبالغة لقال إن هذه الفروع خصلات شعرها المتدلى.

فلنقل إنها شجرة مميزة فى تشكيلها، شجرة شابة عاشقة!. لكن ذلك لم يكن مهماً بالنسبة إليه، فهو - كالآخرين - لا يعبأ بكل أشجار العالم، لكنه حين التفت بصورة مباغتة هُيئ إليه - لدهشته العارمة - وكأن الشجرة تتبعه.

توقف! أغمض عينيه وفتحهما مراراً ثم أمعن النظر ليجد شجرة بريئة المنظر تقف فى طمأنينتها الراسخة الأبدية مثل جميع أشجار الخليقة.

قال لنفسه إن هذه هى النتيجة الطبيعية لمن يسهر حتى الفجر ويكثر من تناول المنبهات ولا يكف عن القراءة، وقال لنفسه أيضا إنها النهاية المنطقية لافتقاد الرفقة واختفاء الحب. وقال لنفسه إن رؤية ما لا يُرى هى النتيجة المحتومة للوحدة المطلقة. ها هو ذا قد صار أقرب ما يكون إلى الجنون إن لم يكن قد جن بالفعل.

قال لنفسه هذا وأكثر، لكن ذلك لم يمنعه من التلصص بطرف عينه من آن لآخر عسى أن يرى الشجرة التى تتبعه فى حالة تلبس، ورغم أنه أكثر من الالتفات بشكل مباغت، فقد كانت الشجرة فى كل مرة تستعيد بالكاد هيئتها البريئة فى اللحظة الأخيرة!! ذات مرة خُيل إليه أنها تتنهد!!.

فى الصباح التالى وجد الشجرة سالفة الذكر ترتقبه أمام منزله. فى هذا اليوم لم تعد ثمة حاجة للتلصص والالتفات حيث إن الشجرة - لسبب مجهول لديه - لم تعد تحفل بمحاولة الاختفاء عن ناظريه، وإنما راحت تتبعه فى بساطة، بحرية مطلقة، دون تأثم، تسير كلما سار وتقف حيث وقف.

نظر إلى الموجات المتلاحقة من البشر فى عرض الطريق، لكن أحداً- فيما يبدو - لم يكن يملك ترف الاهتمام بشجرة تتسكع فى الطريق.

عجيب هذا، والأعجب أن رجلا بلغ كل هذا العمر دون صديق أو حبيب! هب أن شجرة تتحرك فما الذى يعنيه فى ذلك؟ لم يكن فضولياً قط! ربما كانت الأشجار كلها تتحرك وتتبادل مواقعها منذ بدء الخليقة دون أن يهتم أحد! وربما هى شجرة فريدة من نوعها، طفرة تتبعها طفرات حتى تغدو مع الأيام حقيقة راسخة.

وربما هو واهم. ما أكثر أوهام هذا العالم !! ولكن أين الصديق الذى يستوثق منه أن عينيه لا تخدعانه؟ وكيف يمكنه أن يطلب هذا من الغرباء إذا كان كل الناس غرباء؟.

(نكمل غداً إن شاء الله).

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية