خلال الأيام القليلة الماضية برزت حركة مقاومة الإعلاميين والصحفيين محاولات إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتدجين الإعلام والصحافة القومية لصالح السلطة. ففى جريدة الأهرام قام صحفيون بوقفة احتجاجية، فى بهو المؤسسة، طافت بعد ذلك فى طرقات المؤسسة احتجاجاً على عدم توازن الجريدة فى تغطية أحداث قصر الاتحادية وضد ممارسات رئيس مجلس الإدارة التى يرون أنها تمثل أخونة لجريدة ظلت على الدوام بعيدة عن الاستقطابات السياسية، التى كانت تحتفظ بمسافة عن السلطة مختلفة عن غيرها من الصحف القومية.
وأعلم أن العاملين فى قطاع الأخبار من محررى نشرات ومعدى برامج، وأيضا مذيعى التليفزيون يقاومون محاولات السيطرة الإخوانية على العقل المصرى بأساليب متعددة، منها إصدار بيان تاريخى مساء الخميس قبل الماضى يعبرون فيه عما يحدث فى التليفزيون، ويؤكدون أن التليفزيون ملك للشعب المصرى جميعه، ومثل الإصرار على أن تتضمن البرامج أصواتاً متعددة، ومحاولاتهم الدؤوبة أن تكون نشرات الأخبار معبرة حقيقة- أو لأقصى حد- عما يحدث من تفاعلات سياسية فى مصر، وأيضا تسريب الأخبار حول منع عدد من الرموز الوطنية، وبعض أصحاب الرأى المخالف لجماعة الإخوان من دخول التليفزيون، أى عودة أساليب صفوت الشريف وأنس الفقى، كما نظم المذيعون وقفة أمام المبنى للإعراب عن رفضهم ممارسات وزير الإعلام الذى يريد أن يفرض ضيفا من حزب الحرية والعدالة فى كل برنامج، ولعل استقالة رئيس التليفزيون ثم رئيس قطاع الأخبار تمثل ذروة عمليات الاحتجاج داخل مبنى ماسبيرو.
وكانت المسيرات التى خرجت من نقابة الصحفيين لرفض الإعلان الدستورى والاستفتاء على الدستور غير التوافقى تاريخية بمعنى الكلمة، وكان الشعار الأكثر علوا فيها هو «عيش.. حرية.. صحافة حقيقية»، وهو ما يمثل موقف الصحفيين من مسودة الدستور، التى أهدرت حقوقا تم إقرارها فى عصر النظام الذى خرج المصريون لإسقاطه، الأمر الذى مثل موقفا واضحا للعاملين فى مهنة الصحافة مما يجرى حولهم من أحداث، وما يواجههم من تحديات.
إن مقاومة أخونة المؤسسات الإعلامية لها ثلاثة أبعاد أساسية، الأول: أنها لها طابع عام، حيث يرفض العاملون فى الإعلام العودة مرة أخرى إلى إعلام التعبئة والحشد، وهو الأمر الذى يعود بنا إلى النظام الشمولى، الذى نحاول منذ يناير 2011 أن نغادره دون رجعة. ويعرف الإعلاميون أن البقاء فى ظل هذا النظام الشمولى يؤثر على مصداقيتهم أمام الرأى العام، أى قراء الصحف ومشاهدى التليفزيون ومستمعى الإذاعة، وهذا الأمر يمثل ضغطا نفسيا على الإعلاميين والصحفيين، خاصة أنهم يدركون أن الرأى العام لن يتسامح معهم إذا ما كرروا أخطاء النظام السابق مرة أخرى.
أما البعد الثانى فهو مهنى، حيث يرى الإعلاميون أن الانحياز الذى يريد وزير الإعلام أن يلتزموا به فى برامجهم ونشرات أخبارهم وصحفهم، يضرب المهنية فى مقتل، ويجعل الصحف أشبه بالنشرات الحزبية والبرامج التليفزيونية مثل إعلانات الصابون، وهذا الأمر، فضلا عن أنه يتناقض مع جميع المواثيق الأخلاقية، يتعارض مع ضميرهم الحى، خاصة أنهم من نفس المجتمع الذى يخرج فيه الملايين لمعارضة سلوك الإخوان المسلمين، ويعترضون على عمليات أخونة الدولة، وكلنا يعلم أن صيحات تطهير الإعلام خرجت أولا من المؤسسات الإعلامية القومية سواء الصحفية أو المنتمية إلى مبنى ماسبيرو. بل تشكلت لجان وائتلافات وجماعات ضغط من أجل تحقيق هذا الهدف.
أما البعد الثالث فهو شخصى بحت، حيث يريد الصحفيون والإعلاميون الحفاظ على أرزاقهم، وهذا لن يحدث إلا عبر منافسة جادة مع المنافسين الآخرين من صحف خاصة وقنوات فضائية خاصة، وهذه الأخيرة- أى الصحف والقنوات الخاصة- فى طريقها لأن تكسب المنافسة، لأنها تقدم إعلاما وصحافة تلتزم بقدر من المهنية يفوق تلك التى لدى الصحافة والإعلام القومى فى حال الرضوخ لمحاولات الأخونة. فمن يشترى جريدة كل كتابها من الإخوان أو يشاهد قنوات تنطق فقط برأى تيار سياسى واحد؟، بالطبع لا أحد. وهذا الأمر يؤثر بالطبع على أرزاق العاملين فى الإعلام القومى.