x

أيمن الجندي مذكرات سجادة (3) أيمن الجندي الإثنين 10-12-2012 21:18


الحب! ما الحب؟ أوشكت أن أكفر به. ها أنا ذا قضيت نحو العشرين عاما مع عائلة واحدة أخلصتها المحبة، ثم فترت مشاعرهم نحوى بمجرد أن بهتت ألوانى وأصبحتُ قديمة. ها أنا ذا ملقاة فى إهمال فى مكتب هذا المحامى تطؤنى الأقدام الريفية فى غلظة وتترسب طبقات الطين طبقة بعد طبقة، لا تعبأ بتنظيفى تلك السكرتيرة الشاحبة ذات الأصابع المفلطحة والمانيكير المتآكل الرخيص.

حينما حُملت إلى هذا المكتب كنت لا أعرف شيئاً عن الحياة. كانت سيدتى تحب زوجها حقاً، وتعشق أطفالها بجنون. وبالتالى تصورتُ أن الحب هو القانون المسيطر فى الوجود، ولم أكن أعرف شيئاً عن تلك الغابة التى تُدعى الحياة.

فى البدء كان المكتب شبه خالٍ من الزبائن. لذلك كانت الفرصة سانحة للقاءات حميمية بين سيدى الجديد والسكرتيرة. كنت شاهدةً على الخداع المتبادل بينهما، هى تكذب عليه طيلة الوقت، وهو يُلوّح بشكل غامض بالزواج. يستخدم كلمات تحمل معانى عدّة، دون أن ينطق بالكلمة السحرية، مما يتيح له فرصة التنصل فى أى وقت أراد.

فلنطو هذا الجانب المخزى، وننتقل إلى الجانب العملى فى هذا المكتب اللعين. لا أستطيع أن أصف لكم كيف تضيع حقوق الناس بدلاً من صيانتها، وسهولة شهود الزور. تعلمتُ أن هناك مهنة اسمها «شاهد زور». هؤلاء يتعاملون مع الأمر ببساطة تجعلك تشك فى سلامة قواك العقلية، حينما تشاهدهم يمارسونه وكأنهم يتنفسون.

ناهيك عن قضايا الطلاق. أصبحت أحفظ عن ظهر قلب السيناريو المعتاد. بدلاً من أن تحاول الإصلاح بين الزوجين كما تفرض الفطرة السليمة يحدث العكس تماماً. بمجرد أن تدخل المرأة المكتب وتبدأ فى الشكوى من زوجها حتى يسارع سيدى الجديد برسم ملامح التعاطف والرثاء على وجهه، وكأنه لم يشاهد مثل هذه الوحشية. وتبتلع الزوجة الطعم فتتمادى فى الحكايات. فيقول لها، وقد رسم ملامح التحفز والخطورة، إنه ما عليها إلا أن تعطيه توكيلاً، وسوف يمرمطه فى المحاكم. سيرفع عليه عشرات القضايا التى لا تجعله يعرف ليله من نهاره. وتوقّع الزوجة على التوكيل، وقد سرّها أن تنتقم! وفى الوقت نفسه يذهب الزوج إلى محام آخر، يمارس معه اللعبة نفسها، يرسم ملامح التعاطف والرثاء! ويقول للزوج إنه سوف يمرمط الزوجة فى المحاكم. وهكذا تبدأ الدائرة الجهنمية التى لا يدفع ثمنها الباهظ إلا أطفالهم الأبرياء.

عالم متوحش بكل معنى الكلمة. كثيراً ما أشعر بالحنين إلى أيامى الأولى، حينما كنتُ مجرد فروة على ظهر الخروف. أو حينما أصبحت سجادة ومكثت أيام البراءة فى بيت سيدتى الأولى. أصرخ فى فضاء المكتب الموبوء بالخطايا: «إننى أختنق يا سيدتى فتعالى وأنقذينى. لا يهم أن تبسطينى فى الصالون. ضعينى فى الشرفة، أو المطبخ، أو حتى عتبة البيت. المهم أن أراك وأفرح برؤياك، وأشاهد أبناءك الأعزاء فى الصعود والهبوط».

اشتقت إلى الهواء النقى. اشتقت إلى المحبة والسلام.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية