أصيبت مصر بفيروس خطير ومدمر اسمه «ثقافة التربص».. ولا أدرى كيف دخل هذا الفيروس عقول المصريين وقلوبهم وعشّش فيها.. ثم توالد وفرّخ حتى كاد يدمر نفوس وعقول ومشاعر الكثيرين.. وزرع فيها الكراهية والبغضاء والاغتيال المعنوى والتكفير السياسى.. حتى ظهرت جماعات التكفير على الساحة المصرية ليتحول التكفير السياسى إلى دينى يخرج أفاضل المسلمين من الإسلام ويرميهم بالكفر ويقتلهم معنوياً ومادياً. فاليوم الكل يريد أن يتحقق النجاح على يديه وحده دون سواه.. ويريد أن يخرج الحق والصواب من فمه وقلمه دون الآخرين.. ويريد أن يحتكر الحق والحقيقة.. ويكره أن يأتى النجاح والصواب والتوفيق على أيدى الآخرين، حتى لو كان هذا النجاح سيفيد الوطن أو ينفعه شخصياً.. فإذا أتى النجاح على أيدى الآخرين فدون ذلك الحرب الضروس. فالتربص يجعلك تقدم خصومة الآخر وكراهيته على مصلحة الأوطان.. وتقدم العداء له على التشارك أو التوافق معه.
لقد أصاب التربص معظم القوى والأحزاب والتجمعات المصرية.. وفيروس التربص دخل الآن كل حركة وتيار وحزب مصرى، ولم تنج منها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.. وما الأحزاب الليبرالية والاشتراكية والناصرية واليسارية وما حدث داخل حزب النور منا ببعيد. فما إن يبدأ الحزب فى التكوين حتى ينفرط عقده.. ولا تكاد المؤسسة أو الحركة تنشأ حتى تتمزق كالقنبلة الانشطارية.. وما حركة 6 إبريل منا ببعيد، وهى التى كان لها أثر كبير فى الثورة المصرية. ومؤيدو د. مرسى يتربصون بمعارضيه ويتهمونهم بعداوة الإسلام والشريعة.. ومخالفوه يتربصون بالرئيس ويحولون حسناته إلى سلبيات أو يضخمون سلبياته أو يغمطونه حسناته.
والتربص لحق بالسلطات حتى تحولت العلاقة بينها من التعاون إلى الصراع والمشاكسة. فالآن مصر كلها تدور حول أمرين هما «صراع السلطة» أو «صراع الفكرة».. حتى ولّت العلاقات الشخصية الحميمة التى كانت بين الأطياف السياسية المختلفة وذهبت أدراج الرياح.. بل تأثرت العلاقات الشخصية داخل كل حزب أو تيار بالمشاكل السياسية بداخله.. وأصبح التلميذ يشتم أستاذه.. أو يخاصم رفيق كفاحه ويهجره.. فالكل يتربص بالآخر.
وكأننا اليوم لا نستطيع أن يصحح بعضنا خطأ الآخر فى ثوب من الأدب الراقى والخلق النبيل.
لقد بلغ التربص مداه بأن يتحدث البعض بقلة حياء عن تعديل الرئيس لملابسه بدلاً من التحدث عن إنجازه السياسى فى هذه الزيارة.. وكأن الساسة، مسلمين وغير مسلمين، يلتقون للغرام والهيام لا لمصالح بلادهم. التربص يفقد الإنسان وقاره وعقله وإنسانيته ورحمته وشفقته وهو ينتقد خصمه. لقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) عبقرياً وهو ينهانا عن التربص بقوله: «إياكم والظن.. فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً».. وكأنه يتحدث عن ثمرات التربص وسوء الظن.
اتركوا التربص والكراهية قبل أن ينفد الحب من أرضكم.. فتتسولوه ولا تجدوه.