لا شك أن «بشار» فاق كل الحكام فى الجبروت والطغيان وتدمير شعبه ووطنه.. ولا شك أن نصرة الشعب السورى واجبة.. ولكنى دهشت ودهش الكثيرون ممن عاشوا التجربة الناصرية بانتصاراتها القليلة وانتكاساتها العسكرية الكثيرة حينما سمعت عن إرسال قوات عسكرية مصرية إلى سوريا.. فقد تواردت أنباء رسمية وغير رسمية عن هذا الأمر.. ثم تم نفى هذه الأنباء فجأة كما ظهرت فجأة.. وأعتقد أن الذين اقترحوا ذلك كانت تنقصهم الدراية الاستراتيجية فضلاً عن الخبرة التاريخية. أما الذين أوقفوا هذا الأمر ومنعوا سريانه فهم أولئك الذين تضلعوا من العلم العسكرى والاستراتيجى وتزودوا بالخبرة التاريخية أو عاشوها بأنفسهم. لقد استرجعت يومها التاريخ.. وقلت فى نفسى: مأساة الجيش المصرى باليمن ستتكرر اليوم..
وخطأ «عبدالناصر» الفادح فى اليمن سنكرره اليوم بعد 50 عاماً دون اعتبار بالتاريخ. لقد أرسل «عبدالناصر» كتيبة واحدة إلى اليمن لخلع الإمام وإقامة الجمهورية اليمنية.. فاحتاجت الكتيبة إلى المزيد حتى أرسلنا لواءً كاملاً، ثم فرقة، ثم طائرات.. ثم.. ثم.... وأنفقنا أموال مصر الفقيرة كرشاوى للقبائل اليمنية لشراء ولائها فى سباق غير متكافئ مع المخابرات السعودية والبريطانية.. ودخل جيشنا فى حرب عصابات لا علاقة لها بالجيوش النظامية.. حتى نسى جيشنا قواعد الحرب النظامية الحقيقية لكثرة قيامه بالكر والفر والقبض والاعتقال.. وكلها من أعمال الشرطة ومكافحة العصابات. وبعد هزيمة 1967 انسحبنا من اليمن دون أن نحقق أى هدف على الإطلاق سوى قتل الآلاف من اليمنيين المسلمين.. فضلاً عن دفن خمسة آلاف ضابط وجندى مصرى من خيرة شبابنا فى أرض اليمن. لقد استقر العلم العسكرى على أن القوة العسكرية لا تحل أى مشاكل سياسية ولكنها تحارب فقط قوة عسكرية مثلها.
واستقر كذلك على أن الجيوش تقاتل على أرضها وتدافع عنها.. فإذا نقلت قوة مسلحة إلى بلد آخر فهناك تدابير معقدة جداً لذلك.. ومصر ليست مستعدة لهذه التدابير المعقدة.
واستقر كذلك على ضرورة أن يكون العدو محدد المعالم فإذا قلت للجيش «مهمتك إسقاط النظام».. فهذا غير مفهوم بخلاف أن تكون مهمته تدمير خط بارليف مثلاً.
وأنه لابد أن تكون مهمته محددة جداً.. هل هى قوة طوارئ.. أم ماذا.. فإذا كانت الأولى فلتكن ضمن الأمم المتحدة.
كما أن ذهاب الجيوش المختلفة إلى سوريا قد يحول شكل الأزمة من شعب يريد حريته إلى حرب إقليمية أو مذهبية سُنية ــ شيعية قد تأتى على الأخضر واليابس فى المنطقة.. وتقسم سوريا إلى قسمين.. ثم كيف تذهب لقتال جيش على أرضه وكيف سنقاتل مسلمين حتى لو كانوا شيعة.. فهذا سيعرض مصر للخطر فى كل مكان.
لقد فشل جورج بوش الابن فى العراق فشلاً ذريعاً.. وكان ذهاب جيوشه إليها من الأسباب الرئيسية لانهيار أمريكا رغم قوتها.. وكذلك التدخل العسكرى السوفيتى فى أفغانستان كان سبباً لانهيار الإمبراطورية السوفيتية.