x

عزت القمحاوي الغرب مقبرة الغزاة! عزت القمحاوي الإثنين 24-09-2012 20:53


فى عام 1812 دخل نابليون روسيا بأربعمائة ألف جندى وخرج منها بأربعين ألفاً. انهزم الفرنسيون من خلال استراتيجية بسيطة وضعها القادة الروس تقوم على التقهقر المتواصل أمام الغزاة. كلما اقتربت الحملة من مدينة كانوا يضرمون فيها النار وينسحبون إلى نقطة أبعد ليواصلوا الشرب والكسل. كان رهانهم على شتاء بلادهم القادر على إفناء الغزاة، بعد أن يتورطوا بالزحف إلى أعماق البلاد.

وفى عصر الصورة لا يجد الأمريكيون والأوروبيون حاجة إلى إضرام النار فى مدنهم كى يسحقوا الغزاة. فقط تركوا الكاميرا تصور المسلمين وهم يحرقون أنفسهم وبلادهم، وأخلوا الشاشات أمام زحف مشعلى الحرائق المسلمين.

يحتاج الأمر إلى دراسة إحصائية علمية لمعرفة قدر المبالغة فى نقل الأحداث. الصورة دائمًا قريبة لتوحى بوجود أعداد ضخمة، بينما لم يتجاوز العدد بضع مئات فى بعض المظاهرات، وهو عدد لا يقارن بأعداد الثوار الذين أزاحوا الديكتاتور.

ولم تنج قنواتنا من التزييف. تراجعت كل القضايا الملحة لصالح الحرب على ضرطة، لكن هناك اختلافاً واضحاً بين حضور المسلم فى قنوات الغرب وحضوره فى قنوات بلاده. فى قنواتنا انقسمت الشاشة بين أعمال التخريب والمتحدثين من التيار السلفى، الذين يبدو زهو النصر على وجوههم!. ولا يمكن أن نفهم عن أى نصر يتكلمون، باستثناء مقتل السفير الأمريكى فى ليبيا وثلاثة من موظفى السفارة، وهى عملية قامت بها القاعدة ثأراً لأبى يحيى الليبى، ولا تحسب على المظاهرات التى راح ضحيتها العشرات من الأرواح المسلمة، بعيدًا عن خسائر الحرائق.

وقد شاهدت كل ما أمكننى من مقابلات لسلفيين لم تخرج عن مضمون واحد يمكن تلخيصه فى كلمات قليلة: «لا تسامح مع محاولة المس بالرسول. نحن جاهزون للرد على أى إساءة قادمة. الحرية فى الغرب أكذوبة لا تستخدم إلا عند الحرب على الإسلام. نحن لا نخاف من تصويرنا على هيئة إرهابيين أو مجموعة من الرعاع تسهل استثارتهم». هذه المقولات الجاهزة كالبيانات أطلقها سلفيون رداً على أسئلة متنوعة تستدعى إجابات أخرى من قبيل: ما ذنب القتلى فى هذه المظاهرات؟ أو لماذا تدمير ممتلكات مواطنين آخرين لمجرد أنها تحمل علامة أمريكية؟ أو ما الضرر الحقيقى الذى يمكن أن يقع بالرسول من تفاهة كهذه؟! والطريف أن كثيراً من الذين ينكرون الحرية الغربية كان الغرب ملجأهم من بطش أنظمتهم، وبعضهم استفاد من تلك الحرية لتكوين خلايا جهادية.

على الجانب الآخر، اختارت القنوات الغربية للمسلم دور الكومبارس الصامت، كما فى أفلام المعارك التاريخية. المسلمون مجرد كتلة مبهمة من الحارقين لا تقترب الكاميرا من وجه منهم إلا لهدف واحد: تصوير طول اللحية لتأكيد الانتماء للإسلام.

حق الكلام مقصور على المعلق الغربى «خبير الشؤون الإسلامية» فهذا وحده من حقه أن يشرح للمشاهد الغربى الأسباب التى تدفع بهذه الكائنات إلى حالات الهياج التى يشاهدها على الشاشة.

وهذه فى الحقيقة هى المؤامرة الكبيرة على الإسلام، وليست إخراج فيلم ساقط أو رسماً فى صحيفة هزلية؛ فالتضليل والإساءة لا يتمان فى الغرب بالبساطة التى اتبعها مخرج الفيلم أو اتبعتها المجلة المغمورة، لأن المؤسسات الإعلامية الكبرى لا تضحى بسمعتها من خلال الإقدام على نشر شىء هابط. هذا عمل التوافه من الشخصيات والمجلات غير المعروفة، ولو لم يجد استجابة من العالم الإسلامى لظل سراً.

وسواء تعلق الأمر بمغامر يسىء بتفاهة أو بمؤسسات تسىء باقتدار، فالمطلوب قد حدث: تم استدراج القوى المسلمة سريعة الغضب واصطادت الرأسمالية المتوحشة عصفورين بحجر واحد: خلقت جواً معادياً للربيع العربى، وحاصرت ربيع الاحتجاجات على أرضها ضد الفشل والاستغلال.

وفى الحقيقة، فإن ضرب حركات مثل «احتلوا وول ستريت» هو الهدف الأهم، فأين تجد الرأسمالية عدواً أكثر تعاوناً؟ ولماذا لا تستدرج عدوها الحميم لاحتلالها رمزياً على الشاشة؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية