لعبة الانتخابات ومعاركها تتسم بالقسوة والشدة ولا تعرف ندوات النخب ومجالسهم ولا مقالاتهم ولا فعالياتهم التى يقتصر الحضور فيها عليهم دون أن تعرف طريقها للجماهير.
بناء وحشد الكتل التصويتية التى تستطيع حسم العملية الانتخابية لا يحدث فى يوم وليلة بل يحتاج إلى جهد مستمر للاحتفاظ بالمؤيدين وتوسيع دائرتهم وإقناع المختلفين والمعارضين وتغيير قناعاتهم لضمهم إلى الكتلة التصويتية الأساسية.
التواصل مع مشكلات الناس اليومية مرهق ومضنٍ، واكتساب ثقة مفاتيح المجتمعات المحلية وقادة الرأى فيها يحتاج إلى عمل متواصل يؤكد استحقاق السياسى لثقة هذه الشرائح المؤثرة التى يحدد تصويتها اتجاهات الناخبين ويحسم نتائج الانتخابات.
لا يحب الناس من ينزلون عليهم فجأة ليقدموا أنفسهم لهم باعتبارهم الأمل الذى يجب أن يتبعه الناس ويسيرون وراءه فالثقة لا تفرض ولا تفترض وإنما يخلقها تعامل وتواصل وسابق عطاء.
تمارس القوى المدنية نفس الخطايا التى طالما أدمنتها، فهى تعتقد أن الاجتماعات اليومية التى تعقدها فى الفنادق الفاخرة وتعقبها مؤتمرات صحفية زاعقة للحديث عن الانتخابات والتحالفات هى أشياء كافية لخوض الانتخابات وتحقيق نتائج جيدة فيها، والحقيقة أنه لو اجتمعت كل الأحزاب وتحالفت معا وقالت عن نفسها أفضل ما يقال دون أن يكون لهذه الأحزاب رموز سياسية عامة ورموز محلية معروفة فى دوائرها وعلى اتصال مستمر بالناس، فإن هذه الأحزاب ستحصد مرارة الفشل والإخفاق ولن تنفعها تحالفاتها ولا اجتماعاتها ولا مؤتمراتها.
إن الأشياء الهشة والفارغة مهما جمعتها معا لن تكوِّن لك أشياء صلبة ولن تعطيك وزنا ثقيلاً، لأن مجموع الهشاشة هشاشة والفراغ عدم، وهذا ما يجب أن يدركه الجميع، ليستيقظوا من حالة الخمول والكسل عن العمل من أجل الانتخابات كما ينبغى.
إن كثيراً من القوى السياسية تتحدث ليلا ونهارا عن الانتخابات والتحالفات وهى لا تفعل شيئا لهذه الانتخابات رغم أن من بدهيات المعارك الانتخابية أن أكثر من 90% من العمل اللازم لها يكون قبل إجراء الانتخابات نفسها.
نحن ندعو - بلا شك - إلى بناء تحالف مدنى واسع يضم شتات الأحزاب المدنية التى تفرقت بها السبل ولكن فى نفس الوقت لا بد من التأكيد على أن العمل على الأرض استعدادا لخوض الانتخابات مختلف تماماً عن فقرات الترفيه السياسى التى تمارسها هذه الأحزاب.
الوضع الحالى غير مبشر بالمرة فشهور قليلة تفصلنا عن الانتخابات الأهم فى تاريخ مصر بعد الثورة سواء الانتخابات البرلمانية أو المحلية ومازلنا نبحث ونتطلع إلى بداية عمل حقيقى فى الاتجاه الصحيح يمهد لخوض الانتخابات المقبلة.
تكوين الأغلبيات لا يأتى من قمة الهرم بل يأتى من القاعدة وإذا ظللت تحلم بالقمة وأنت لم تبن درجات الهرم وطبقاته الأولى فلن ترى هذه القمة فى حياتك إلا وقد اعتلاها الآخرون.
مد الجذور فى عمق المجتمع وبناء الرأى العام المساند وإعداد الماكينة الانتخابية لتدور تروسها وتحقق النجاح المأمول هو أولوية اللحظة الراهنة، حتى لا نصبح من المتفاجئين دوما والذين يظلون حياتهم كلها فى طور الدهشة والمفاجأة بعد أن يتجاوزهم منافسوهم فى مضمار السباق ويظلوا ينظرون لمن سبقهم ويسألون أنفسهم: كيف؟