يقود الطلبة السودانيون انتفاضة في مواجهة سياسات تقشف أقرتها الحكومة السودانية، تمثلت في رفع الدعم عن الوقود، ما ترتب عليه موجة غلاء في السلع الأساسية والمواصلات العامة. وبينما يحاول الطلاب حشد دعم شعبي للحاق بركب الربيع العربي، يتحدى نظام الرئيس عمر البشير تلك الحركة الاحتجاجية في محاولة لمنع تصاعدها وتحولها إلى ثورة شاملة.
ورغم اتساع رقعة المظاهرات التي بدأت طلابية وتحولت لاحقًا إلى شعبية تجتاح عددًا من أحياء العاصمة، الخرطوم، إلا أن المشاركة الجماهيرية تظل محدودة إذا ما قورنت بالمشاركة الشعبية في ثورات مصر وتونس واليمن وسوريا أو حتى في الاحتجاجات البحرينية.
بدأت الحركة بتظاهر مئات الطلبة يوم 16 من الشهر الجاري، احتجاجًا على غلاء الأسعار. وقد واجهت الشرطة المظاهرات بحزم واستخدمت القنابل المسيلة للدموع لفضها.
وبعد مرور أكثر من أسبوع عن الحركة الاحتجاجية، أعلنت الشرطة السودانية في الرابع والعشرين من يونيو أنها ستواجه «أعمال الشغب» بـ«كل حزم»، لكن في «إطار القانون». في هذا الإطار شنّت الشرطة حملة اعتقالات لنشطاء وصحفيين، بينهم مراسل لوكالة الأنباء الفرنسية، ومراسلة لشبكة بلومبرج أُفرج عنها لاحقًا.
وفي يومها الثالث، خرجت الاحتجاجات من الحرم الجامعي، وانضم إليها مواطنون عاديون، واتسعت رقعتها لتمتد إلى عدة أحياء في العاصمة، منها حي «تو» الراقي الذي يضم عددًا من السفارات والمقار الدبلوماسية.
في هذا السياق ذكر هشام بلال، أحد القيادات الطلابية في جامعة الخرطوم، في حوار له مع وكالة الأنباء الفرنسية أن الأزمة الاقتصادية ستساعد الطلبة على تحريك الشارع، حيث إن «الجوع يستجلب الغضب الذي يمكن أن يفضي إلى احتجاج اجتماعي أشمل». وتوقع موسى أن القشة التي قد تقصم ظهر البعير هي احتمال مقتل طالب، كما حصل في 1965.
وترجع أصول الأزمة الاقتصادية الحالية إلى استقلال جنوب السودان في يوليو الماضي الماضي، إذ بلغ معدل التضخم نحو 30%، بسبب خسارة دولة السودان 75% من إنتاجها النفطي، لأن معظم آبار البترول تقع في الجنوب.
وقد ضاعف إعلان جنوب السودان وقف إنتاج النفط في مارس من المتاعب المالية للخرطوم، حيث إن الأخيرة كانت تحقق دخلاً قادمًا من جوبا في مقابل مرور النفط في أراضيها وعبر موانئها إلى الجهات المستوردة، نظرًا لغياب البنى التحتية في دولة الجنوب.
هذا ويبتلع الجيش السوداني، حسب أرقام المعارضة، حوالي 70% من الميزانية العامة للدولة. وتستورد الخرطوم أسلحتها من الصين لتغطية الجبهات العسكرية التي تقاتل فيها متمردين في دارفور والشرق، بالإضافة إلى الجنوب.
وفي مقابل التوقعات باتساع نطاق الحركة، يعتبر الرئيس السوداني عمر البشير أن المحتجين «محرشين وشذاذ آفاق»، حسبما وصفهم في خطاب ألقاه أمام نحو ألف طالب في الخرطوم، نافيًا أن تكون بلاده في مهب رياح «الربيع العربي». وتحدث عن «جهة ما» تقف خلف الاحتجاجات.
وقال البشير، الملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب: «إن الذين تمنوا ربيعا عربيا فى السودان أصيبوا بالخذلان»، منوهًا بأن الشعب السوداني، «إذا أراد أن ينتفض فسينتفض بأجمعه». وأضاف: «نقول لهم الذي يحصل في الدول العربية حصل بدري في السودان مرات ومرات».
البشير كان يشير هنا إلى احتجاجات عام 1964 التي أطاحت بالديكتاتورية العسكرية التي كانت تحكم البلاد منذ انقلاب عام 1959، غير أن الحكم المدني لم يستمر لأكثر من 5 أعوام، عندما أعلن جعفر نميري انقلابًا عسكريًا عام 1969 استولت بموجبه القوات المسلحة السودانية على الحكم من جديد.
وأطاحت احتجاجات شعبية بالحكم العسكري للمرة الثانية عام 1985، حيث أعلن وزير الدفاع آنذاك، المشير عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة السودانية للثورة، وعُزِل نميري الذي كان في رحلة إلى الولايات المتحدة، وتعهد بإجراء انتخابات وتسليم السلطة في غضون عام، وهو ما حدث في سابقة لم تتكرر، بعد انتخابات أسفرت عن فوز حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، بالأغلبية البرلمانية.
لكن البشير قاد انقلابًا عسكريًا عام 1989 صعد بموجبه إلى السلطة، بعد 5 أعوام تشكّلت فيها 4 حكومات ائتلافية.