المشهد ضبابى ومربك وملتبس، فخلال أقل من شهر، شهدت مصر العديد من التحولات التى توالت بعد النطق بالحكم فى قضية «مبارك» ونجليه ووزير داخليته ومساعديه الستة.. وتعاقبت الأحداث، فخرجت «التأسيسية للدستور» ومن بعدها إعلان «الدستورية العليا» حكم بطلان قانون العزل السياسى، وحل مجلس الشعب، وبدء انتخابات جولة الإعادة بين «شفيق» و«مرسى»، وإصدار الإعلان الدستورى المكمل، وأخيرا تدشين «العسكرى» لمجلس الدفاع الوطنى.. كلها قرارات مصيرية رضخ لها الوطن، هى فى الواقع تدعو إلى الكثير من الأسئلة إزاء مجريات ثورة يناير وطبيعتها بعيدا عن التأويلات العامة.. فبعيدا عن المحللين السياسيين وأساتذة القانون وشروحاتهم وتوقعاتهم، يحلل الروائى يوسف القعيد «المشهد السياسى» فى الحوار التالى.
■ ما هى توقعاتك للمشهد السياسى حال فوز الفريق أحمد شفيق ؟
- المشهد واضح منذ أيام ومن قبل إعلان النتيجة، بالطبع المنافسون لن يقبلوها، وسيرفضون الاعتراف بها، المفروض أن نقتنع بـ«اللى هيجيبه الصندوق»، وأتوقع أن نتيجة هذه الانتخابات، سواء فاز مرشح الدولة الدينية أو الدولة العسكرية فلن يحدث استقرار فى مصر بعدها، والفارق الوحيد أن المرشح العسكرى يمكن أن يكون حاكماً عابراً، وأتوقع له شهوراً ربما لا تكمل سنة، لكن الحكم الآخر سيكون أبديا، ونستطيع أن نقيس نتائج ما قد يحدث وفقا لردود الأفعال التى جاءت بعد حكم الدستورية العليا ببطلان قانون العزل وحل مجلس الشعب، وكنت أتوقع بعد قرارها أن مصر «هتولع» وتصورت أن حل مجلس الشعب سيؤدى إلى فوضى رهيبة، وأرجح أن هذا الهدوء جاء لأن الإخوان أخذوا قراراً بالاستمرار فى المعركة الانتخابية، حتى تظهر نتائج الانتخابات، ما أدى إلى استقرار الأمور، ثم إن الشارع المصرى فقد كثيرا من تعاطفه معهم.
■ وحال فوز مرسى ؟
- لا أتمنى أن تؤول مصر بكل تاريخها العريق فى الإبداع والفنون وهداية البشرية فى النهاية إلى حكم دينى، ولا أتمنى أن يحكمها شفيق باعتباره عسكرياً وإنما باعتباره مدنيا، لأنه لا الفاشية الدينية ولا الديكتاتورية العسكرية تصلحان لمصر بعد أن استيقظ الشعب من سباته، وأستطيع أن أقول إن مصر قادرة على مفاجأة الناس بأشياء لا يتوقعها أحد.. نحن أمام انتهازيتين: دينية وسياسية، ومصر ولادة ولم تعقم أبداً، المصريون اليوم فى مرارة شديدة، فمن انتخب شفيق «مكسوف يقول إنه انتخبه»، ومن انتخب مرسى «مكسوف يقول إنه انتخبه»، ونحن يمكننا أن نتخلص من الدولة العسكرية خلال سنة من الآن إذا ثبت عدم جدواها أو استجابتها لمطالب الناس، لكن الدولة «الدينية» يمكن أن ندفن جميعا وتظل هى باقية إلى الأبد.
■ استباق منسقى حملتى شفيق ومرسى إعلان النتائج.. هل كان نتيجة انعدام الثقة فى اللجنة العليا للانتخابات أم لتفويت الفرصة عليها خوفا من تزوير النتيجة.. كيف ترى الأمر؟
- الأمر برمته عدوان على دولة القانون، وعدم احترام لها، فليس من حق المرشح إعلان النتيجة لأن هذا الأمر هو شأن اللجنة العليا للانتخابات، وإعلان النتائج من قبل حملتى «شفيق» و«مرسى» ليس تشكيكاً فيها أو للخوف من التزوير وإنما هو خلق لأمر واقع ومحاولة إقراره، ولو أعلنت اللجنة نتيجتها الرسمية يوم الخميس على عكس رغباتهم سيقولون إن النتيجة زورت، وأنا أعتبرها حربا نفسية شديدة لكنها فى النهاية «بتدوس على الدولة، واللجنة شُغلتها تقول مين اللى نجح ومين اللى منجحش».
■ كيف تفسر عدم تأثر الجمعية التأسيسية للدستور بحل البرلمان، فهى تباشر أعمالها فى نفس الوقت الذى يؤسس فيه المجلس العسكرى جمعية أخرى؟
- «التأسيسية» سقطت بسقوط البرلمان، وما يحدث الآن هو فرض للرأى وصراع إرادات لفرض أمر واقع، وهم غير معترفين بحكم حل البرلمان الذى يقضى بالتبعية بحل «التأسيسية»، وعقدوا لها اجتماعا بمجلس الشورى واختاروا حسام الغريانى رئيسا لها، كما أن المجلس العسكرى أصبح من حقه تشكيل جمعية تأسيسية بعد أن عدل فى الإعلان الدستورى القديم الذى يقول إن من يشكل الجمعية التأسيسية هو مجلسا الشعب والشورى، وأضاف لها والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وما يحدث يسبق إما الانفراج بـ«التوافق» أو «الصدام».
■ هل تعتقد أن المجلس العسكرى خرج من أزمة قدوم رئيس فى ظل برلمان «منحل» بإعلانه للدستور المكمل؟
- نحن فى وضع مركب، وهذا لا يعنى أن «العسكرى» خرج من الأزمة، فبعد الإعلان الدستورى المكمل لدينا رئيس جمهورية بلا برلمان سيحلف اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، وهذا يحدث لأول مرة فى التاريخ، وأنا علمت أن نواب البرلمان يعتبرون حكم «الحل» باطلاً وسيتوجهون إلى ميدان التحرير بعد إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية يوم الخميس النتيجة، مطالبين «مرسى» بحلف اليمين أمامهم فى الميدان، وهذا سيكون بمثابة تحد قد يؤدى إلى صدام حقيقى بين الإخوان والمجلس العسكرى وهو أمر محفوف بالمخاطر، فكيف لرئيس جمهورية أن يحلف فى إطار غير قانونى؟! نحن فى مأزق أساسى، سببه حكما «العزل وحل مجلس الشعب»، كما أن الرئيس الجديد سيأتى دون صلاحيات أو سلطات، والمطلوب من كل هذا وجود رئيس يصلى صلاتى العيدين، ويقص الشريط فى افتتاح المعارض ويتواجد فى الفعاليات الدولية والعالمية فقط.
■ بعد حل البرلمان بتكتله الإسلامى الكبير.. هل يؤثر ذلك سلباً على وضع «مرسى» فى ظل اهتزاز ثقة الشارع فى الإخوان؟
- الأحداث المتتابعة التى وقعت خلال الشهر الجارى لم يكن لأحد أن يتخيلها، ولأننا فى «بلد العجايب» فدائما الأفعال تأتى بردود فعل بعيدة عنها تماما، ولا أعتقد أن حل البرلمان أفقد «مرسى» قدراً من التعاطف الشعبى، لأن هذا الفقدان حدث منذ 11 فبراير 2011، فالإخوان أتت لهم فرصة على طبق من ذهب لم يحسنوا استغلالها ولم يتعاملوا معها باعتبار أنها قد تكون الفرصة الأولى والأخيرة، فهم حولوا مصر إلى فرصة ضائعة بالنسبة لهم حتى لو نجحوا، ومجىء «مرسى» على برلمان منحل بمثابة «انقلاب ناعم» نُفّذ بالقانون والدستور، ولم يتوقعه أحد، وخالف كل التحليلات، كما أن حل البرلمان كارثة حقيقية بالنسبة لقوى كانت تريد الاستيلاء على البلد، وأنا مندهش: كيف يجىء رئيس لمصر دون وجود دستور أو برلمان؟!
■ ما هى الأخطاء التى وقعت فيها الثورة؟
- جميع علماء الثورات قالوا: «يا ويل الأمم من أنصاف الثورات، فأى نصف ثورة تقوم ولا تكتمل فإن مكانها يتحول إلى مقبرة للثوار، وهذا ما حدث يوم جمعة التنحى 11 فبراير: عاد الناس إلى بيوتهم، والثوار تركوا البلد لأهله، وأهل البلد لم يحسنوا إكمال ما بدأه الشباب، والذى تصدر المشهد بعد ذلك هو المجلس العسكرى الذى وفر لها قدراً من الحماية، ثم أتى بعد ذلك برئيس وزراء من ميدان التحرير هو «عصام شرف» الذى كانت أدواته ومعاونوه ووزراؤه من أبناء النظام القديم. العملية معقدة ومركبة ولدينا تداخل شديد بين الماضى والحاضر والمستقبل، ولابد أن نذكر لهذه الثورة أنها كانت سلمية، وثمنها ندفعه الآن، وأصبحت مثل اللقيط «كل واحد يقوم بدرى قبل التانى يستولى عليها»، وهذا ما جعل آخر رئيس وزراء لحسنى مبارك مرشحا رئاسيا، والنائب الوحيد له على مدى 30 عاما «عمر سليمان» يترشح للرئاسة قبل استبعاده، وكلاهما كان من أبرز رموز النظام السابق، وكل هذا يؤكد أن الثورة أعادت إنتاج النظام القديم، وما نحن فيه هو نصف ثورة، فالثورة الكاملة الحقيقية تقتلع القديم وترسى الجديد.