في ظل وضع سياسي مضطرب، وبعد حل مجلس الشعب، انتخب المصريون الدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، رئيسًا لمصر بهامش ضيق يقل عن 3%.
وفي يوم انتخاب مرسي، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانًا دستوريًا مكملًا مثيرًا للجدل يعطي السلطة العسكرية سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس شعب جديد.
يبدو الأمر من الناحية الظاهرية إذن وكأن الإخوان المسلمين قد تبادلوا الأدوار مع المجلس العسكري، فقبل أسبوع واحد، كان المجلس العسكري هو القائم بأعمال رئيس الجمهورية، بينما كان الإخوان هم الأكثرية البرلمانية، أما اليوم، فالإخوان يجلسون في قصر الرئاسة، بينما يتولى الجيش سلطة التشريع!
لكن قراءة الإعلان المكمل تكشف أن الأمر على خلاف ذلك، فصحيح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تولى سلطة التشريع ومرسي أصبح رئيسًا للجمهورية، لكن الرئيس الجديد سيُحرم بعضًا من أهم سلطاته وفقًا للإعلان الجديد الذي انشغل بصلاحيات المجلس العسكري أكثر من انشغاله بصلاحيات الرئيس.
فوفقًا للإعلان المكمل، سوف يتولى المجلس العسكري، كما أشرنا، سلطة التشريع إلى حين انتخاب مجلس شعب جديد، وهو ما سوف يتم بعد شهر من إنهاء الجمعية التأسيسية لعملها الذي من المقرر له أن يأخذ ثلاثة أشهر، والمجلس العسكري له الحق في تشكيل الجمعية التأسيسية «إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها»، وهو شيء في حكم المؤكد، والرئيس لا يحق له إعلان الحرب أو دعوة القوات المسلحة إلى المشاركة في مهام حفظ الأمن دون موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمجلس الأعلى «يختص بتقرير كل ما له علاقة بشؤون القوات المسلحة». هذا ناهيك عن مادة يمكن وصفها بالـ«جامحة»، تعطي لرئيس المجلس العسكري أو مجلس القضاء الأعلى أو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو خمسة من أعضاء الجمعية التأسيسية الحق في الاعتراض على بنود من الدستور الجديد، وتفصل المحكمة الدستورية إذا ما نشب نزاع بسبب هذا الاعتراض.
وفي المقابل، سوف يتولى رئيس الجمهورية، كما ينص إعلان 30 مارس 2011، صلاحيات إقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها، وحق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم، والعفو عن العقوبة أو تخفيفها.
ونلاحظ في هذا الصدد أن المجلس العسكري حصّن نفسه من أي محاولة لرئيس الجمهورية لتغيير أعضائه من خلال النص في الإعلان المكمل على أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة «بتشكيله الحالي» يختص بتقرير كل ما له علاقة بشؤون القوات المسلحة. وهكذا، فإن حق الرئيس في تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وإعفائهم من مناصبهم قد تعطل في حالة المجلس الأعلى والقوات المسلحة كلها، حيث يقول الإعلان المكمل إن المجلس العسكري يختص بتعيين قادة القوات المسلحة ومد خدمتهم.
وكما يبدو، فإن فلسفة الإعلان الجديد هي ترتيب المرحلة الانتقالية الثانية، من يوم انتخاب الرئيس إلى حين إقرار الدستور وانتخاب البرلمان الجديد، بما يضمن مصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فالخطة كما يكشفها الإعلان المكمل الصادر في 17 يونيو هي أن يحصن المجلس العسكري نفسه بتولي كل شؤونه، بما في ذلك احتفاظه بتشكيله الحالي، حتى إقرار الدستور الجديد، وبالموازاة مع ذلك يتولى المجلس سلطتي التشريع وتشكيل اللجنة التأسيسية المناط بها وضع دستور جديد سيرسم الشكل النهائي لتوزيع الصلاحيات بين القوى المختلفة المتنافسة على السلطة في مصر، وعلى رأسها الإخوان المسلمين والمجلس العسكري.
وهكذا يكون العسكر قد حلوا معضلة انتخاب مرسي رئيسًا بأن جعلوا للبلاد، من الناحية الفعلية، رئاستين: رئاسة شبه شكلية ممثلة في مرسي، ورئاسة فعلية تتولى سلطات الدفاع والأمن القومي والتشريع ووضع الدستور ممثلة في المجلس العسكري ذاته.
على أن هذا الوضع المركب والملتبس مرشح للانفجار في أي وقت، فمرسي الرئيس سيكون مضطرًا لعدم التدخل في شؤون القوات المسلحة، لكن هل سيفعل نفس الشيء عندما يأتي الأمر لوزارة الداخلية أو وزارة الإعلام أو جهاز المخابرات؟ وإن تدخل في هذه المؤسسات العتيدة، فماذا سيكون رد الفعل؟ ومن جانب آخر، ماذا سيتضمن الدستور الجديد من مواد انتقالية؟ أليس ممكنًا أن يدعو إلى انتخاب رئيس جديد فور إقراره؟ وماذا عن الحركة الجماهيرية؟ وماذا عن خطط ومؤامرات الفلول والثورة المضادة؟
إذن.. ففي الأغلب نحن مقبلون على مرحلة من عدم الاستقرار ستستقبل رئيس الجمهورية يوم دخوله إلى قصر الرئاسة، وقد تفرض عليه خوض مواجهات وتقديم تنازلات لا يمكن لأحد أن يتنبأ بطبيعتها.
مصر إذن انتخبت رئيسًا، لكنها لم تحقق استقرارًا أو تلبي مطالب ثورتها، فمازال المصريون يحلمون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.