قدم السفير دينيس روس، مستشار الرئيس الأمريكى أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط، رؤية واقعية للعلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، والعلاقة مع الرئيس الجديد لمصر سواء كان الفريق أحمد شفيق أو الدكتور محمد مرسى.
ونفى وجود صفقة بين واشنطن والإخوان المسلمين لدعم وصولهم للسلطة، وقال إن الولايات المتحدة تنظر بترقب لما سيقرره المصريون فى الانتخابات وستتعامل مع الفائز أيا كانت النتيجة.
وشدد «روس» على أن المصريين وحدهم هم الذين يقررون مستقبل بلدهم. ومثلما سيكون لمصر خيارها ويكون للقيادة الجديدة مسارها فى إدارة شؤون البلاد، سيكون للولايات المتحدة أيضا خيارها ومسارها فى الاستجابة ومساعدة القاهرة وحث المنظمات الدولية على تقديم المعونة لها.
وأضاف «روس» أن حالة التخبط السياسى التى شهدتها مصر خلال عام ونصف العام تعتبر معتادة لدول غابت عنها المنافسة السياسية، لكنه حذر من سقوط المصريين أسرى لحالة الغضب من الماضى والانتقام من رموزه بما يعطل إنجاز ما يجب إنجازه للمستقبل. كما حذر من استمرار حالة الفوضى السياسية والتخبط ما يجعل مصر «دولة فاشلة»، وإلى نص الحوار:
■ تشهد مصر خلال الأيام المقبلة انتخابات رئاسية، وشهدت من قبل حالة من التخبط السياسى، فهل ما يحدث على الساحة السياسية فى مصر يعد شيئاً عادياً يمكن أن تمر به أى دولة فى مرحلة انتقالية أم أنه أمر غير معتاد؟
- لا أعتقد أنها حالة غريبة، فالدول التى شهدت تراجعاً فى تطور المؤسسات السياسية لديها هى الأكثر تعرضاً لغياب المنافسة، وعندما تغيب المنافسة السياسية تزداد الفجوة، ويحدث نوع من التخبط.
فنظام «مبارك» كان سلطوياً ولم يكن يسمح للآخرين بالمشاركة، لذا ليس مفاجئا أن نشهد هذه النوعية من الصعوبات والغضب. ويوجد غضب كبير يملأ صدور المصريين مما حدث فى الماضى، وهذا شىء متوقع ومفهوم، لكن إذا أصبح المصريون أسرى لهذا الغضب فلن تتقدم مصر.
فتجربة نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا، كان عنصر القوة لديه هو المصالحة لتجنب سياسات الانتقام، وكان حكيما فى الاعتراف بأنه لا يمكن تحقيق أى إنجاز إذا تم التركيز على الماضى، ويصبح الشعب أسيراً لفكرة الانتقام ولا ينظر للأمام.
■ هل تعتقد أن محاكمة «مبارك» والحكم عليه بالمؤبد نموذج لفكرة الانتقام من الماضى؟
- لا، أعتقد أن محاكمة «مبارك» ليست نموذجا للانتقام بل أرسلت رسالة قوية أنه لا أحد فوق القانون وهى رسالة مهمة، ومن المهم أن تشهد مصر تفعيلا قويا لدور القانون وممارسته.
■ هل تجد واشنطن فى أى من المرشحين لانتخابات الرئاسة قدرة على تحقيق الديمقراطية والتغيير واحترام الحريات والتعاون فى إطار علاقة استراتيجية قوية معها؟
- يجب التاكيد أن أمريكا لن تختار قادة مصر، ولن تقرر مصير المصريين، فشعب مصر وحده هو الذى سيقرر مصيره، ومصر لديها خياراتها. لكن يجب ألا يندهش المصريون إذا قلنا إن هناك التزامات دولية يجب احترامها وحقوق يجب مراعاتها مثل ما يتعلق بحقوق الأقليات والمرأة. وما نراه الآن فى مصر هو وجود حساسية عالية لما يتعلق بالكرامة والهوية المصرية، ورد فعل ضد أى شخص يبدو أنه يتطفل أو يتدخل. وأنا أتفهم ذلك وأؤكد أنه ليس للولايات المتحدة أن تختار أحداً، بل المصريون هم الذين يختارون بأنفسهم، ونحن سنتعامل مع أى شخص يختاره المصريون رئيسا.
■ الولايات المتحدة هى الدولة الأقل شعبية فى مصر الآن، وهناك دعوات مختلفة من أعضاء فى الكونجرس لقطع المعونة عن مصر ما يهدد بفقدان واشنطن حليفتها المهمة فى المنطقة.. هل تتحمل إدارة الرئيس أوباما المسؤولية عن ذلك؟
- لا أعتقد ذلك، فمصر دولة مهمة جداً فى الشرق الأوسط، والمسار الذى تسلكه مصر سيكون له تأثير على الدول الأخرى.
ومن يقل إن مصر ليس لها تاثير على المنطقة فهو شخص لا يفهم إقليم الشرق الأوسط، لكن يجب التأكيد أن الولايات المتحدة تدرك أهمية مصر وتريد أن تساعد بالقدر الذى تستطيعه، والحقيقة أن واشنطن لم تحصل على التقدير مقابل المساعدات التى قدمتها لمصر طوال السنوات الماضية، وكان «مبارك» يرفض تسليط الضوء عليها، لأنه لم يرد أن يكون للولايات المتحدة أى شعبية، واستطاع أن يحول غضب المصريين من حكمه إلى كراهية الأمريكان والإسرائيليين.
من هنا يجب أن ندرك أنه لا أحد يملك مصر سوى المصريين، ودور الولايات المتحدة هو توفير المساعدة، لكنها يجب أن تاتى فى نسق محدد، فلو كانت مصر فى موقف عدائى للسلام أو اتخذت موقفاً ضد حقوق الأقليات، والمرأة، أو أصبحت بعد الثورة فى وضع لا يسمح للآخرين بالمنافسة السياسية، فإن واشنطن لن توفر المساعدة، ولن يدفع المنظمات الدولية الاخرى إلى توفير المساعدة لمصر.
■ هل يمكن للإدارة الأمريكية أن تتحمل مسؤولية فترة انتقالية فى مصر، وسط قدر من الفوضى قد تطول إلى الدرجة التى تهدد بأن تصبح مصر دولة فاشلة؟
- اعتقد أن ذلك سيكون كارثياً للمصريين أولا، وسيكون سيئاً على المنطقة وإقليم الشرق الأوسط، لكننا لسنا فى وضع لاختيار مصير مصر، سيكون مضرا للجميع رؤية مصر تقدم على مرحلة تكون فيها دولة فاشلة.
■ إذا أقدم المجلس العسكرى على اتخاذ إجراءات صارمة ولجأ إلى العنف لفرض الأمن والنظام بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، كيف سيكون رد فعل واشنطن؟
- لا أعتقد أننا نريد رؤية مصر تنزلق إلى فوضى، ولا أعتقد أيضا أننا نريد أن نرى استخداما للعنف والقوة. أعتقد أننا سنحكم على قادة مصر وفقا لما يقومون به، ولن أتنبأ فى هذه النقطة كيف سيكون الأمر، وعلينا أن نتنظر إلى ما ستسفر عنه الانتخابات.
■ هل كانت إدارة «أوباما» تدرك النتائج المترتبة على إصرارها على الدفع بـ«مبارك» خارج السلطة وترديد تصريحات أن الرحيل اليوم يعنى أنه يرحل أمس؟
- ما قاله الرئيس «أوباما» هو ضرورة بدء مرحلة انتقالية، مؤكداً أنها يجب أن تبدا الآن، وقال «أوباما» لـ«مبارك» إنه يجب بدء مرحلة انتقالية لكن «مبارك» كان فى حالة إنكار لما يحدث وظل يردد أنه يفهم شعبه، والحقيقة غير ذلك.
لذا كان التركيز على البدء فى مرحلة انتقالية سياسية تبدأ الآن، ولم يكن مقصودا أن يكون هناك فوضى أو سقوط للمؤسسات. وكان خطاب «مبارك» الأول مؤثراً على الناس وكانوا مستعدين للصبر حتى إجراء الانتخابات فى سبتمبر، ولولا هجوم بلطجية النظام على المتظاهرين فى التحرير، فى الأحداث المعروفة إعلامياً بـ«موقعة الجمل» لكانت العملية الانتقالية بدأت دون الإحساس بالغضب. والاعتقاد أن الإدارة الأمريكية دفعت «مبارك» للخروج من السلطة هو اعتقاد خاطئ، فنحن لم نضع 2 مليون مصرى فى ميدان التحرير.
وقد حصد الإسلاميون كل المزايا بعد سقوط «مبارك» لأنهم كانوا الجبهة الوحيدة المنظمة ولديهم أجندة واضحة وهوية وارتباط بالطبقات الفقيرة، أما الشباب والليبراليون فهم يحتاجون لوقت لكى ينظموا أنفسهم ويتواصلوا مع الناس.
■ أعلنت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون أنها على استعداد للتعاون مع الإسلاميين فى مصر، وتكررت زيارات مسؤولين أمريكيين لمكتب الإرشاد ومرشد الإخوان ما دفع البعض إلى الاعتقاد بوجود صفقة بين واشنطن والجماعة وأنها تبارك وصولهم للحكم؟
- لا أعتقد أن هناك صفقة، بل كان هناك تواصل على أرض الواقع، فمن الواضح أنهم أصبحوا أقوى قوة سياسية فى مصر، والولايات المتحدة هى فى حالة ترقب وانتظار لما ستسفر عنه الانتخابات، وإذا جاء الإخوان للحكم وعملوا على تنمية الاقتصاد وخلق مناخ جاذب للاستثمارات وقاموا بحل المشاكل الداخلية بصورة فعالة، واحترموا الحريات وحقوق الأقليات والمرأة واتفاقية السلام مع إسرائيل فالولايات المتحدة سترحب بذلك. أما إذا حدث عكس ذلك فلن تجد مصر مساعدة من أحد، فمن سيقدم على الاستثمار فى مصر، وهناك شكوك فى أن الإخوان لن يحافظوا على اتفاقية السلام، وهذا لا يعنى أن يقوموا بطرح الاتفاقية للاستفتاء لأن النتيجة ستكون بالرفض.
ومن الواضح أن لدى الإخوان فرصة كبيرة لكى يفوزوا، لأنهم جماعة قوية وتحظى بالمساندة. وإذا وصلوا للسلطة فسوف تكون عليهم مسؤوليات، وليس بناء دولة فاشلة، ولا أستطيع أن أتنبأ، وعلينا أن ننتظر النتائج ونرى كيف سيتصرف الإخوان فقد تعلمت درساً مهماً فى تعاملى مع منطقة الشرق الأوسط هو ألا أتنبأ بما يمكن أن يحدث.
■ تركت منصبك كمستشار للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط فى ديسمبر الماضى، هل مازالت لديك علاقات مع البيت الأبيض وتقدم نصائحك للرئيس؟
- هناك عدد من الخبراء الذين تركوا الإدارة الأمريكية، ومن وقت لآخر يتم استدعاؤهم لأخذ مشورتهم ونصيحتهم، وأنا واحد منهم ولست استثناء، وما أستطيع أن أقوله هو أنه إذا طُلب منى تقديم رؤيتى ونصيحتى فإننى أقدمها، وأهتم كثيرا بالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة وأهتم بالسلام فى منطقة الشرق الأوسط، وأهتم بما يحدث فى دولة مثل مصر، وقد زرتها منذ عام وأتمنى أن أعود أليها سريعا.