x

جيل التهجير: مستنيين «ريّس» يحقق لنا «حلم العودة»

الأحد 10-06-2012 07:41 | كتب: اخبار |

طوال رحلتنا إلى النوبة لم تلتقط عيوننا هناك شباباً من سن الثانية والعشرين وحتى سن الأربعين إلا ما ندر. كانت المشاهد المتكررة محيرة، فدوماً لا يسير فى شوارع القرى السمراء سوى رجال تخطوا الخمسين عاماً يتكئون على عصا، يرتدون الجلاليب البيضاء والعراجى، أو سيدات مسنات يستمتعن بشمس المغيب على المصاطب الحجرية التى اصطفت بطول المنازل.

أين اختفى شباب القرى النوبية؟ ولِمَ هذه النظرة الحزينة والدموع المحبوسة فى أعين المسنين العابرين فى الطرقات؟

الحق أرّقنا هذا السؤال كثيراً ولم نجد بدا من جمع رجال القرية وشيوخها ليجيبوا عن أسئلتنا، لتُفتح لنا مَضْيَفة القرية ونجلس على العنجريب - كرسى الاستقبال النوبى - لنحصد تفاصيل الوجع والألم ونحصل على إجابات لكل تساؤلاتنا.

سيد محمد طاهر، افتتح الحديث بقوله: «علشان نعرف ليه مافيش شباب فى قرى النوبة لازم نرجع للنوبة القديمة». اتسعت عيوننا لهذه العبارة وتأهب زميلى «فؤاد الجرنوسى» لتسجيل تلك النظرات ورسم الوجوه وهى تفيض بالحنين للنوبة القديمة.

هنا قاطعنا الحاج عبدالعال عبدالمتعال، قائلاً: «يا ولدى عبدالناصر عوّض النوبى اللى كان معاه 20 فدان أرض خصبة بفدانين فى الصحراء، وأنا فاكر يوم التهجير كانت وشوش أجدادنا وآبائنا كلها حزن، وأتذكر أن والدى احتضن النخل الخاص به وظل يبكى وكأنه يودع إنساناً عزيزاً عليه، والآن بعد أن عمرنا الصحراء التى ألقوا بنا فيها نرى بلادنا وقبور أجدادنا فى يد رجال الأعمال».

وحينما سألنا عن سبب اختفاء الشباب من القرية، بادرنا عمدة القرية «حسن بيرم» قائلاً: «أولادنا يعيشون فى قرى لا توجد فيها مستشفيات، وأقرب مستشفى للقرية يحتاج إلى استقلال سيارة لمدة ساعة ونصف الساعة، وأجرة هذه السيارة فى ظل عدم وجود أى مواصلات حكومية بكل قرى النوبة تصل إلى 300 جنيه، يعنى الفقير لا يمكن أن يتلقى علاجاً، وبناء على كل ذلك قمنا بعمل وحدة صحية بالجهود الذاتية ولكنها مهجورة بلا أطباء، ووزارة الصحة لم تلق لها بالاً».

أما الحاج إمام حداد، جزار القرية، فقال: «يا ولدى كنا فى النوبة القديمة نصطاد سمك النيل بأيدينا، وأفتكر أننا فى التهجير سيبنا كنوز ورانا فى بيوتنا، وكل واحد مننا شال اللى قدر عليه، لكن أكبر كنز كان النيل يا ولدى، عايزين نرجع هناك، ولو الريس فعلاً عايز يعمل عدالة لابد يرجّع النوبيين لأرضهم».

قاطعنا حسن حسين محمد على، رئيس مجلس إدارة جمعية النوبة لصيد الأسماك، ويقول: «كان للنوبيين حصة دائمة عبارة عن 5% من إنتاج السمك فى بحيرة ناصر، اختفت تلك الحصة مع الوقت، وتم تقسيم البحيرة إلى 6 قطاعات للمستثمرين فى عهد يوسف والى».

أما محمد خليل عثمان، فقال: «كان فخراً لنا، أبناء أرمنا، أننا أول من بنى مدرسة بجهود ذاتية فى النوبة القديمة، وبعد التهجير بنينا مع أبناء عنيبة مدرسة عنيبة الابتدائية، ولكن لا توجد مدارس إعدادية إلا فى توشكى، وأيضاً المدارس الثانوية تكبد أبناءنا عناء السير لمدة تزيد على ساعة يومياً».

وفى الأخير انفجر الشاب الوحيد فى جلستنا، وهو صباح حسين، قائلاً: «على الرئيس الجديد أن ينظر إلى شباب النوبة ككل الشباب المصريين، فرغم وجود بطالة فى القاهرة وبقية المحافظات، إلا أن الوضع هناك أقل وطأة من النوبة، وأنا أعلم جيداً أن شباب النوبة يعانون الأمرّين فى دول الخليج من الكفيل، ويعاملون معاملة سيئة، وعليه أيضاً أن ينظر فى هذا الملف بعين الاعتبار لحماية كل المواطنين فى الداخل والخارج، ولابد من إقامة مشروعات صناعية وزراعية ضخمة فى النوبة لاستيعاب الشباب وطاقاتهم مع إعادتنا إلى النوبة القديمة كامتداد عمرانى».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية