x

«النهضة» الإسلامية.. من «حلقات المساجد» إلى تولي الحكم في تونس

الإثنين 04-06-2012 23:49 | كتب: غادة حمدي |
تصوير : أ.ف.ب

جاءت نتائج الانتخابات التى شهدتها دول «الربيع العربى» لتصب فى مصلحة صعود «الإسلاميين» فى المنطقة، وكان لحركة «النهضة» الإسلامية فى تونس «مهد الربيع العربى» السبق فى هذا الإطار، وذلك بعدما حققت فوزاً ملحوظاً فى انتخابات «المجلس التأسيسى» فى أكتوبر2011 بحصولها على 90 مقعداً من أصل 217. فبعدما عانى ناشطو «النهضة» قمعاً عنيفاً فى عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، حصلت الحركة على تأشيرة العمل القانونى بعد الثورة التى أطاحت به، وأصبح لها الكلمة فى جميع القرارات التى تخص مستقبل البلاد، لكن بعض التونسيين يبدون قلقاً حول مستقبل بلادهم وسط الصعود الإسلامى.

وترجع بدايات حركة «النهضة» إلى أواخر الستينيات، حيث نشأت تحت اسم «الجماعة الإسلامية» مستلهمة تجربة «الإخوان المسلمين» فى مصر. وفى تلك الفترة، لقى نشاط الجماعة - الذى اقتصر على الجانب الدعوى والفكرى فى حلقات المساجد - ترحيباً ضمنياً من قبل النظام، الذى رأى فى الحركة سنداً فى مواجهة اليسار المعارض. وفى إبريل1981، تم تغيير اسم الحركة ليصبح «الاتجاه الإسلامى»، ثم تم تغييره مرة أخرى إلى «النهضة»، حتى تم الإعلان رسمياً عن تأسيس الحركة فى يونيو من العام ذاته.

وبعدما اتجهت إلى النشاط السياسى فى بداية الثمانينيات، عانت الحركة من القمع سواء خلال حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذى اتبع معها سياسة «تجفيف المنابع» من خلال عمليات السجن والإعدام والنفى بهدف تصفيتها، أو فى عهد بن على الذى وصل إلى السلطة عام 1987، ورهن بقاءه فى السلطة بشعار محاربة «التهديد الإسلامى». وشنت قوات الأمن حملة شديدة على أعضاء الحركة ومؤيديها، وتم إجبار زعيم «النهضة» راشد الغنوشى على البقاء فى المنفى فى لندن لمدة 20عاماً بعدما حكم عليه سابقاً بالأشغال الشاقة المؤبدة، ولم يتم الاعتراف بالحركة كحزب سياسى فى تونس إلا فى مارس2011 بعد الإطاحة بـ«بن على».

وربما كان فوز «النهضة» - التى تتخذ من تجربة الحكم الإسلامى فى تركيا نموذجاً لها- فى انتخابات2011 متوقعاً، لكن ما فاجأ الكثيرين هو قدرة «النهضة» على تخطى سقف التوقعات فى ظل وجود قانون انتخابى معقد يحد من فرص أى حزب فى الحصول على عدد كبير من الأصوات، مما فتح باب التساؤلات حول أسباب صعود الحركة بهذه القوة.

ويرى محللون أن ذلك يرجع فى جزء منه إلى أن كوادر «النهضة» استطاعت الاستفادة من الفترات التى كانت فيها فى السجن أو المنفى، وتدربت على العمل التعبوى مما جعلهم أكثر استعداداً للمرحلة الجديدة، وقد ترافق ذلك مع رسوخ قناعة بين نخب الحكم والمعارضة فى تونس على السواء، بأنه لم يعد من الممكن إدارة شؤون السياسة وبناء الدولة على ذات النهج التسلطى الذى سلكه نظام بن على وسلفه بورقيبة، فى الوقت الذى اكتسبت فيه الحركة نوعاً من التعاطف معها بسبب معاناتها من القمع سابقاً.

كما أن عملية «الطمأنة السياسية» التى مارستها النهضة وامتناعها عن الانجرار إلى مناكفة خصومها السياسيين، أو إلى لعبة الانقسام العقائدى بين إسلاميين وعلمانيين وتركيزها على العمل الميدانى الشعبى، ثم الدخول فى سلسلة من الترضيات والمساومات السياسية مع القوى الرئيسية الفاعلة فى الداخل، فضلاً عن مد جسور التواصل مع القوى الدولية - قد ساهمت إلى حد كبير فى تصدر الحركة المشهد السياسى التونسى، إلا أن هذه النجاحات لا يمكن إرجاعها بالكامل إلى المهارة السياسية للإسلاميين التونسيين، بقدر ما يمكن إرجاعها أيضاً إلى وجود مناخ دولى وإقليمى يتيح مجالاً للحركة وتقدم قوى التغيير.

لكن على الرغم من أن الحركة استطاعت أن تستحوذ على 40% من مقاعد «التأسيسى»، ما فتح الباب أمام تكليف أمينها العام حمادى الجبالى بتشكيل الحكومة الجديدة، فإن الشكوك مازالت تساور بعض التونسيين فى نوايا «النهضة»، ففى حين أن الغنوشى أعلن فى أكثر من مناسبة أن هدف الحركة هو إقامة نظام ديمقراطى يشارك فيه الجميع وأنه لا نية لها فى تقييد الحريات العامة بأى شكل، تخشى نسبة من التونسيين الانقلاب على هذه الوعود، خصوصاً بعد إصرار «النهضويين» على تولى الحكم والسيطرة على وزارات السيادة، وفرض رؤيتهم للنظام السياسى قبل صياغة الدستور، وذلك بتشكيل نظام برلمانى يضع أغلب السلطات فى يد رئيس الحكومة مع إفراغ مهمة رئيس الدولة من أى صلاحيات.

وفى الوقت الذى يرى فيه التونسيون أن دولة بورقيبة العلمانية انتهت، أصبح هناك خوف حقيقى من قدرة «المتشددين» على أن يكونوا فاعلين فى مجتمع لايزال يعيش حالة من الارتباك بعد ثورة 14يناير. ويرى مراقبون أن الممارسات العنيفة لبعض السلفيين أحرجت «النهضة»، حيث لم تستطع الحركة التنديد بها أو تأييدها، ما جعل بعضهم يرى فى الجماعة السلفية وجها آخر لـ«النهضة»، فيما رأى البعض الآخر أن هناك «تحالفا غير معلن» بين جزء من قواعد «النهضة» وأقلية سلفية تحاول أن تستثمر هوامش حرية التعبير المتاحة اليوم فى تونس، لاستقطاب أكبر نسبة ممكنة من التونسيين نحوها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية