أكد عدد من رجال القضاء والخبراء القانونيين أن الحكم الذى أصدرته المحكمة، السبت ، على الرئيس السابق ووزير داخليته ونجلى «مبارك» وكبار مساعدى «العادلى»، يحمل الكثير من التناقض، مرجعين ذلك إلى غياب الأدلة الثابتة التى تكفل معاقبة المتهمين على الجرم الكبير المتمثل فى قتل المتظاهرين خلال الثورة.
قال المستشار زكريا عبدالعزيز، رئيس نادى القضاة الأسبق، إن عدم حصول الرئيس السابق و«العادلى» على أقصى عقوبة فى القانون، يرجع إلى عدم كفاية الأدلة والمستندات المقدمة للمحكمة.
وأضاف: «المحكمة قضت بالحكم الذى يليق بالأوراق والمستندات، والمعلومات التى لديها»، مؤكداً وجود قصور فى التحقيقات أدى إلى براءة مساعدى وزير الداخلية السابقين، البالغ عددهم (6)، هم: حسن عبدالرحمن، وأحمد رمزى، وعدلى فايد، وإسماعيل الشاعر، وأسامه المراسى، وعمر الفرماوى»، مشيراً إلى عدم تقديم أدلة ثبوت كافية لصدور أحكام ضدهم باعتبارهم كانوا مشاركين مع الرئيس المخلوع، ووزير داخليته حبيب العادلى فى قتل المتظاهرين.
وقال «عبدالعزيز» فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»: «من الطبيعى أن يصدر الحكم بالبراءة لمساعدى حبيب العادلى، لأنهم لن يقدموا أدوات وأدلة تثبت تورطهم أثناء استمرارهم فى مواقعهم بعد تحويلهم للمحكمة، وكذلك من جاءوا بعدهم فى المواقع القيادية لن يقدموا ضد مديريهم أدلة تثبت تورطهم واشتراكهم فى قتل المتظاهرين، لأنهم كانوا جزءاً من هذا الأمر».
وقال المستشار جمال رمضان، رئيس محكمة استئناف القاهرة: «لو كان القاضى يحكم وفقاً لتصوراته وقناعاته الشخصية لكان حكم على (مبارك) وأسرته بالإعدام فى ميدان التحرير، إلا أن حكم القاضى يأتى وفقاً للأدلة والبراهين، التى تقاعست النيابة العامة عن توفيرها»، لافتاً إلى أن حكم الإدانة الصادر على مبارك، تم اتخاذه على أساس أنه امتنع عن إصدار أوامر بمنع قتل المتظاهرين، ولم تتوفر أدلة إدانة ضد الذين قاموا بالقتل، وذلك بسبب ضياع الأدلة، وأعتقد أن الجهاز الأمنى هو المسؤول عن توافر وجمع أدلة الثبوت، لافتاً إلى أن القضية تحتوى على 60 ألف صفحة من التحقيقات، إلا أنها وفقاً لما سمعته من المحاكمة خلت من أى دلائل أو براهين بالأدلة.
وقال المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض سابقاً، إن هناك تناقضاً غير مفهوم فى الحكم. وأضاف: «المستشار أحمد رفعت لم يفصح عن أسباب إدانة (مبارك) و(العادلى)، فى حين أكد أنه استند فى حكمه على مساعدى (العادلى) بالبراءة لأنه لم تثبت التهمة على أى من رجال الشرطة، وأنهم لم يقوموا بإطلاق النار على المصابين والشهداء».
وأشار إلى أنه «قد يكون (مبارك) و(العادلى) أمرا أشخاصاً آخرين أو قوات سرية أو الجيش.. فالحكم لم يكن واضحاً ولابد من بيان الفاعل فى أسباب وحيثيات الحكم». وتساءل «مكى»: «كيف يُبرئ القاضى الشرطة التى هى أداة من الأدوات التى استخدمها (العادلى) و(مبارك) فى قتل المتظاهرين، ومن الذين تلطخت أياديهم بدم المتظاهرين»، مؤكداً أنه «إذا كانت السلطة التنفيذية بريئة فالمفروض أن يكون (مبارك) بريئاً»، لافتاً إلى أنه قد يأتى فى أسباب الحكم لاحقاً ما يوضح هذا التناقض.
ورفض المستشار رفعت السيد، رئيس نادى قضاة أسيوط السابق، أحد قيادات تيار الاستقلال، التعليق على الحكم قبل إعلان أسبابه للرأى العام، واكتفى بالحديث عن المقدمة التى تلاها المستشار أحمد رفعت قبل صدور الحكم، وقال: «المقدمة مزجت بين السياسة والقانون، وهو أمر خاطئ». وأضاف فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»: «عندما يتحدث القاضى فى السياسة ويمزجها بالقانون يثير بلبلة لدى الرأى العام، وهو ما حدث فى المحكمة».
ورأى المستشار حسنى الضبع، رئيس محكمة جنايات الجيزة، أن أسباب الحكم هى عدم وجود أدلة، وخلت القضية من أى أوراق تدينهم، وبالتالى صدرت أحكام بالبراءه، مشيراً إلى أن التناقض المثير للجدل سوف تفسره حيثيات الحكم على (مبارك)، مؤكداً أن الحكم هو عنوان الحقيقة ولا يستطيع أى شخص مراجعة القاضى فيما حكم به، وأن التفسير المنطقى للحكم أن إدانة (مبارك) استندت إلى مواد القانون التى تقول إن مبارك يواجة تهمة عقوبتها الإعدام أو المؤبد، ولكن نظرا لسن (مبارك) لم يحصل على الإعدام، فى حين أن (العادلى) لم يحصل على الإعدام لأن تلك العقوبة تحتاج إلى أدلة قاطعة.
وأكد المستشار محمد البكرى، رئيس نادى قضاة طنطا، عدم وجود تناقض فى الحكم على «مبارك» و«العادلى» بالمؤبد، فى حين حصل مساعدى «العادلى» على البراءة لأن هناك قاعدة قانونية تقول إنه قد يكون الفاعل مجهولاً لكن الشريك معلوم، و«مبارك» و«العادلى» هنا هما الشركاء ومازال الفاعل مجهولاً، وقد يوضحه القاضى بعد ذلك فى حيثيات حكمه»، مؤكداً أن «الحكم على (علاء وجمال) بالبراءة كان متوقعاً لأن قضايا الفساد المالى قضايا جنائية تنقضى الدعوى فيها بعد 10 سنوات من ارتكابها، ولذلك حصلا على البراءة وأيضاً مبارك». مضيفاً: «لم تكن هناك أدلة إدانة لمساعدى العادلى، وهو ما وضحه القاضى فى موجز أسباب الحكم»، وأشار «البكرى» إلى أنه لابد من التسليم بأحكام القضاء لأن ضمير القاضى هو الذى أصدر الحكم، وأن القاضى الذى يتأثر بأى آراء جانبية لا يصلح أن يكون قاضياً، وأن الحكم فى هذه القضية حكم قانونى لا علاقة له بالسياسة.
من جانبه، طالب المستشار عبدالستار إمام، رئيس نادى قضاة المنوفية، رئيس محكمة الجنايات، بإعلاء قيمة احترام أحكام القضاء وعدم التعليق عليها، منبهاً إلى أن هيئة المحكمة وحدها «هى التى قرأت الأوراق واستمعت للشهود وتداولت فى الدعوى». ولفت إلى أن الحكم قابل للطعن أمام محكمة النقض، واعتبر أن المظاهرات ضد القضاء «هى مظاهرات ضد بناء دولة القانون»، مشدداً على أهمية «التركيز على أن الشعب المصرى يحاكم رئيسه بما فى ذلك من دلالة تطبيق القانون على الكبير والصغير».
ونبه «إمام» إلى أن منطوق الحكم لم يتعرض لأسباب إدانة «مبارك» و«العادلى»، مطالباً بانتظار إيداع أسباب الحكم فى النيابة.