صباح الأحد الماضى كان الموضوع المسيطر على الصحف المصرية هو حديث الصفقات والتربيطات بين المرشحين المقرر لهما أن يدخلا جولة الإعادة، وكانت عناوين الصحف تختلف فى الكلمات لكنها تتفق فى المضمون. وهذا أمر لا غبار عليه، ولكن المؤسف هو أن الصحف جميعا لم تذكر أى تفاصيل أو معلومات حول هذه الصفقات. فما حدث هو أن صحفنا انطلقت من نقطة بديهية لتعمل منها عناوين تغرى القراء، لكنها لم تقدم أى معلومات جدية حول هذه البديهيات، وذلك يعنى أحد أمرين إما أنها لم تستطع أن تحصل على المعلومات الدقيقة أو شبه الدقيقة حول الموضوع الذى ضخمت منه، وإما أنها كذبت على قرائها فى العناوين الضخمة التى قدمتها لهم.
وللحقيقة فإن جريدة الأهرام هى الوحيدة التى نجت من هذا المأزق، لأنها وضعت الأمور فى نصابها الصحيح، لأن عناوينها الرئيسية تحدثت عن تحالفات، وجاء فى المتون أن بعض القوى الثورية أعلنت تأييدا مشروطا لمحمد مرسى، كذلك جاء فى نفس العناوين أن «شفيق» دعا إلى صفقات، وهو ما حدث بالفعل فى المؤتمر الصحفى الذى عقده صباح السبت. ويبدو أن الأهرام فى تغطيتها لتفاصيل ما بعد إجراء الانتخابات قد عادت إلى طبيعتها المحافظة، التى بموجبها لا تنشر الخبر إلا بعد تأكدها منه.
ولكن «الأخبار» كانت أكثر تضخيما للأمر، حيث إنها أوحت لقرائها أنها تقدم لهم معلومات خاصة لم تقدمها لهم أى صحيفة أخرى وكانت عناوينها كالتالى: «أسرار اتصالات آخر 48 ساعة بعد معرفة طرفى الإعادة.. مرسى وشفيق يحشدان للمعركة الفاصلة.. مرشح الإخوان يجتمع بالقوى السياسية ويطرح تشكيل حكومة ائتلافية يختار المرشحون اعضائها.. الفريق يبعث برسالة طمأنة ويؤكد: لن أعيد إنتاج النظام السابق» ومن يقرأ تفاصيل الموضوعات التى نشرتها الجريدة لن يجد أى أسرار فيها لأن معظمها نشر فى المواقع الإلكترونية مساء السبت. وهى أكدت أن «حمدين» لن يدعو أنصاره لاختيار مرشح بعينه وأن ذلك سيكون محور مؤتمر صحفى يعقده بعد قليل، وقد عقد المؤتمر ولم يتطرق فيه «حمدين» إلى أى من هذه الأمور. وكان هذا الخبر بالطبع فى الطبعة الأولى، وكل الصحف عادة ما تحدث أخبارها فى الطبعات المتتالية، ولكن من يدخل على الموقع الإلكترونى للجريدة ظهر الأحد، أى بعد المؤتمر الصحفى الذى عقده حمدين صباحى بما يقرب من 16 ساعة سيجد أن التفاصيل مازالت كما هى من دون إحداث أى تغيير. وباقى الموضوعات- الأسرار التى انفردت بها الأخبار كانت على نفس الشاكلة، أى أنها لم تتضمن أى معلومات جديدة على القارئ، أما الجديد عليه فقد أكدت الأحداث فيما بعد أنه لم يكن دقيقا.
ونأتى إلى الجمهورية التى كانت الأكثر انحيازا لأحد المرشحين فى الجولة الأولى للانتخابات وكانت هى الجريدة الأكثر تضخيما لحديث الصفقات، فقد جاءت عناوينها كالتالى: «الصفقات.. تحسم جولة الإعادة.. مرسى يغازل حمدين وأبوالفتوح وشباب الثورة.. شفيق: لا للتربيطات أمد يدى للجميع» أما القصة الخبرية ذاتها فلم تكن قصة خبرية وإنما تحليل سياسى غير مستند إلى أى معلومات، وهو تحليل لم يستند إلى أى معلومات جديدة، أما ما جاء فى العناوين حول مغازلة مرسى لكل من حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح فلم يأت له أى ذكر فى متن الموضوع الخبرى. وإذا كانت جميع الصحف ذكرت أن المرشحين الرئاسيين لم يحضرا اللقاء الذى عقده حزب الحرية والعدالة، فإن «الجمهورية» هى الوحيدة التى لم تنشره. وقد يعود ذلك إلى مواعيد الطباعة ولكن كان عليها أن تورد أى تفاصيل حول مغازلة «مرسى» للمرشحين. والأمر الملفت للانتباه فى تغطية الجمهورية هو أنه لم يتضمن أى معلومات أو أخبار واعتمد على التحليل وإنما أن الجريدة لم تسع لاستنطاق أى مصدر فى حملة محمد مرسى من أجل الحصول على أى أخبار عن توجهات الحملة فى الفترة القادمة.
والذى يؤكد عدم توازن تغطية «الجمهورية» أنها فى تغطيتها للمرشح المنافس لمرسى وهو أحمد شفيق توسعت فى تغطية المؤتمر الصحفى الذى عقده قبلها بيوم واحد، وكان التوسع فى المساحة وأيضا فى دقة المعلومات التى قدمتها حول المؤتمر الصحفى.
أما جريدة «الوفد» فاهتمت هى الأخرى بحديث التربيطات، ونشرت تقريرا صحفيا عنوانه «تربيطات سرية تحسم جولة الإعادة» وهى انطلق من بديهية أن كل مرشح لابد أن يبدأ فى اتصالات سرية مع القوى السياسية من أجل تأمين دعمها فى جولة الإعادة. ولكن الجريدة لم تقدم أى معلومة يمكن الوثوق فى مصدرها. ولكن يجب الاعتراف بأن من كتب الموضوع بذل مجهودا فيه لأنه استعان بمصادر متعددة منها جريدة الجارديان وموقع «سى إن إن» العربى، وكتب الموضوع نفسه بأسلوب تقريرى وليس تحليلياً مثل موضوع «الجمهورية». ولكن المعلومات نفسها لم تكن سرية، وإن كانت قد صيغت بأسلوب مهنى يجعل القارئ يشعر وكانه يقرأ خبرا جديدا عليه. ولكن الأمر الغريب هو أن الوفد تجاهلت الإشارة إلى الطعن الذى تقدم به عمرو موسى المرشح المدعوم من حزب الوفد بسبب تصويت جنود أمن فى الانتخابات الرئاسية.