كان هناك زمن يدعى «زمن أسامة أنور عكاشة»، كان مسلسل الراية البيضا، فى السابعة مساء، وقتاً يختفى فيه المارة فى الشوارع، لمتابعة الحرب الدائرة بين مفيد أبوالغار وفضة المعداوى، وبين سلطة العقل وسلطة البلدوزر. زمن دفع د. عبدالقادر القط إلى نحت مصطلح الأدب التليفزيونى، ليفرق بين الدراما قبل ظهور صاحب ليالى الحلمية وبعده. كان المصريون ينتظرون حكواتى الساعة السابعة، الذى رفع المسلسل درجات ودرجات ليمنحه ثقافة الروائى وحس الفيلسوف وقيم المصلح الاجتماعى. كانت مسلسلات عكاشة واحدة من رايات التنوير، لم يكن مجرد حكاء للتسلية، بل كان رجلاً يحمل مشروعاً ورؤية. بدأ صاحب المشروع الذى تأثر كثيراً بنجيب محفوظ من النقطة نفسها التى انتهى إليها أستاذه، ثورة 1919 إلى بداية التسعينيات، مبرزاً التقلبات التى مرت بها مصر، معلناً هويته كمناصر لأحلام الفقراء ضد أزمنة لا تنصرهم. فى الذكرى الثانية للكاتب الكبير الذى رحل فى 28 مايو 2010، تحاول «المصرى اليوم» رصد عدد من الشخصيات التى شغلت مساحة كبيرة من النقاش فى وعى أجيال، لتحاول عن طريقها إضاءة حاضر ملتبس ومستقبل غائم.
عبدالفتاح ضرغام.. الولى العاشق
`عبدالفتاح ضرغام، مدرس إلزامى، يقرأ القرآن من أجل الرزق.. تعثر عليه امرأة، أو يعثر عليها: عايدة، المرأة الثرية، واللعوب. يقع أسير عشقها، معذب بلا أمل، لا يحظى بمحبوبته، لكنه يحصل على الولاية، يبنى له فقراء الناس، مقاما إذا مات يدفن فيه لتحيا كراماته. لم يكن عبد الفتاح، يظن أى شىء فى نفسه، لا قدرته على العشق، ولا تنصيبه للولاية، لم يكن يرغب حتى فى أى شىء سوى مصير هادئ، ليل طيب ونهار بلا مشقة. دون أن يقصد عبدالفتاح وقع المحظور، ليدخل فى المتاهة التى ستجعله أرق وأشف فصار وليا، يملك ياسمين وبنفسج العشق، دون أن يحصل على رحيق المعشوقة. بدأ الأمر كلعبة من صديقه الخواجة، بشر عامر عبدالظاهر، مجرد نكتة ليتسلى، فجعله يرى عايدة، ليبدأ رحلته كمجذوب، فيما ينطق بالهذيان، عايدة تقابله بالضحك، بالاستهانة، التى تنقلب إلى ذعر. يقتله الوجد، وضرب الشرطة، التى استدعتها عايدة، يموت، لكنه من جديد يحيا، بعد أن يغسل ويدفن، يتحرك من القبر، لتبدأ حكايته كولى، صنعه الناس، بكرامة بعث الروح فى العاشق. يلتف الناس حوله، ينصبوه وليا، يلبسوه الخرقة الخضراء والولاية، يحولونه إلى حلم. عبدالفتاح يتشكك فى الولاية، لكنه لا يقاوم، يحاول أن يصدق أنه قادر على المعجزة، فما أن يلمس طفلاً حتى يشفى، وما يقرأ الفاتحة لامرأة حتى تنجب، يذهب إلى بيت عايدة، وفى شباكها العلى، فى السماء، لا نعرف أبدا إن كان طار ليترك لها منديل الذكرى، ويحصل على عقد الياسمين والبنفسج بديلا عن الحب. البوليس، لا يعترف بولاية عاشق، بمحبة الفقراء للفقير، لا يعترف بمن مست قلبه الحمى، فيقرر إدخاله مستشفى المجاذيب. فيهرب، لكن أتباعه يقولون إنه اختفى من أمام الجنود، يذهب إلى صديقه ومورطه فى الفخ: بشر، فيخفيه عند أهل زنانيرى، يتعرف على لون آخر من الحياة، حياة ثوار يقاومون الاحتلال. ثوار مجاذيب مثله، بينهم صافيون للفكرة مثله: عشق بلا أمل أو مطلب بلا مساومات، بينهم أيضا تجار يساومون بالفكرة، يخضعونها لقانون العرض والطلب.. ضرغام يجد نفسه بسهولة، مع عشاق بدون أمل، يستعيد صحته، تركيزه، ذكاؤه الفطرى، التفاف الفقراء والمنقبين عن الأمل حوله. يفرض الإنجليز الوصاية على الشارع ويغلقون محال المصريين،.. يجد ضرغام الحل، ببصيرة ولى وضمير عاشق: الناس.. الحل فى الناس. يذهب إلى فقرائه، تابعوا طريقته، يطلب منهم أن يلتفوا حوله من جديد فى موكب «الطريقة الضرغامية». التوحد مع هدف بلا مساومات، كان دواء العاشق المثالى، تلك الطاقة الجبارة على المحبة الخالية من الغرض، الصامدة أمام اختبارات الأيام، وتقلباتها، خيانات الطامحين والطامعين.
أبوالعلا البشرى.. «دون كيخوت» المصرى
ذات ليلة، قرر أبوالعلا البشرى أن يغير الدنيا، وأن يتحرك من عزلته فى «سخا» ليقتحم القاهرة، ماراثون السباق بلا توقف والأحلام المهدرة. سبقت تلك الليلة، ثمانى سنوات من العزلة والقراءة، ومحاولة الفهم. لكن كتاباً واحداً جعله يحسم قراره: دون كيخوت.. محارب طواحين الهواء.. الذى يمكن أن تنظر إليه كمجنون فقد لغة عصره، أو مصلح اجتماعى، قرر أن يعيد أخلاق الفرسان إلى مجدها، ولو باختلاقها. عندما انتقل إلى القاهرة محاولاً إصلاح كل شىء، أربك حياة كل من حوله، مفسداً عليهم متعة جريهم فى السباق المحموم، فطردوه وأجبروه على العودة إلى قوقعتهم. حتى حدثت المعجزة، ودخلت أرضه الزراعية كرودن المبانى، ليتحول من مجرد «مجنون» إلى «مليونير». صار محور اهتمام عائلته التى أنكرته ثلاثا. تاجرت العائلة بكلمات، يعرفون أنها صالحة للسيطرة على «دون كيخوت» حسن النية، الذى يظن أنه امتلك السر، فإن كان سبب فساد من حوله هو السعى إلى المال، فليمنحهم المال، ليتوقف الصراع، على أمل أن ينجح مهندس الرى المتقاعد فى «ترويض» النهر. فعمر الفهلوى، وطالب الحقوق الفاشل، يحاول إقناعه بشركة لإنتاج الفيديو، لتعبئة شرائط تعليمية، ويتخذ القضاء على الدورس الخصوصية، مدخلا لإقناعه، بينما النية، أن يغير نوعية الشرائط بمجرد حصوله على الأموال. وزينات الأم وحب أبوالعلا القديم، والتى رفضته مرات، وطردته من منزلها عندما حاول التدخل لإيقاف مشروعها فى تزويج ابنتها الصغيرة لثرى، تستغل ذكرى الحب القديم بينهما، وتبيع له وهم «جددت حبك ليه»، كى تقنعه بالزواج بها، كفرصة أسرع من فرصة ابنتها من الزواج من ثرى. أما صفوت الابن الأكبر، فقد رتب اللعبة الأكبر، فمن خلال تقديم حل مثالى لحل أزمة الإسكان بتقديم مدينة إسكانية بمقابل صغير. صفوت عرف الطريق، الأخلاق كلمة تصلح للقتل، لوأد الأحلام، الأخلاق كلمة تصلح ليستخدمها مرشح رئاسى، لتسويف كل شىء، لتفريغ كل شىء من معناه. اللعبة، تخطت حدود قدراته، حدود تغييره لعالمه القريب لتغيير وطن يغرق فى الفقر، فى الشقاء، فى انتهاز الفرصة. اللعبة نفسها أدركها، مهران صاحب شركة المقاولات، كان أكثرهم مزايدة على أحلام أبوالعلا البشرى، ومجاراة لها، بل هو الوحيد الذى أعلن للجميع أن أبوالعلا استطاع تغييره وتوجيه قلبه إلى مدرسة «الأخلاق الحميدة»، وان تأثير أبوالعلا على حياته صار هو المحرك الأساسى لكل خطواته. «البشرى»، ابتلع الطعم، صدق حقا أن المبشر نجح فى مهمته وأنه غير النفوس، حتى آفاق على صدمة أن مهران، استولى على قرض كبير باسم أرض مشروع الإسكان، ومعها أحلام من وضعوا بين يديه «تحويشة» العمر. صارت اللعبة كابوساً أبعد من سيطرة «مهندس» الرى، ضربت مئات الأسر فى مقتل. لم تنجح رحلة أبوالعلا، لكنها كشفت نفوس الناس، زلزلت يقينهم بما يعرفوه عن الصواب والخطأ، لم يتغير أحد. بعد عشر سنوات، سيعيد أبوالعلا الرحلة فى تسعينيات القرن، ليواجه مجتمعا أكثر شراسة، يواجه مافيا منظمة، لا مجرد موظف مرتش، وجماعات متطرفة، تحيل الإسلام من دين إلى تجارة دم وجهل.
فضة المعداوى.. الجيل الأول لـ «لجنة السياسات»
من يقتل من؟ الأثر أم البشر؟ من يهزم من؟ بائع الثقافة؟ أم بائع السمك؟.. من لا يملك سوى أفكاره وإدراكه المختلف للحياة؟ أم السيد الذى لا يمتلك سوى قوة مص الدماء والأفكار والحياة ليستمر سيدا على عرش من جثث ضحاياه؟ ثمة قوة هائلة جعلت الشمس والقمر على يمين فضة المعداوى، ثروة صنعتها الصدفة، تتحكم فى المصائر، فى علاقات البشر، تشترى الشهادات التعليمية المزورة لأبنائها، تخفى تاريخها التافه والمشبوه، وتختلق تاريخا مفبركا، لولا أن ظهر حجر يفضح اللعبة: كل ما تملكينه لا شىء، كان ذلك الحجر هو فيلا مفيد أبوالغار، قبل أن يصبح الحجر هو إرادة السفير السابق الصلبة. كيف بنت فضة المعداوى مجدها الصارخ؟ على أكتاف الضحايا، بدأت بـ«غزة مطواة» فى بداية الطريق لأحد منافسيها فى بيع السمك،لكن استمرت التضحيات، قرابين المجد، ضحايا بلا عدد لتستمر الإمبراطورة على عرشها. كان كل شىء معدا لينتصر بلدوزر فضة المعداوى، على فيلا مفيد أبوالغار، التى حملت كل القيم المهزومة سلفا، فى مجتمع قرر أن يجعل الفهلوة قانونه والمال جبروته. البلدوزر المخيف رمز السلطة الغاشمة فى مقابل الأجساد الهشة، القوية بإيمانها ضد كل ما مثلته فضة. البلدوزر رمز حماية السلطة لنفوذ من لا يرى فى الوطن أكثر من مشروع مربح. كانت تظن أنها على قمة كل شىء، حتى جاء رفض أبوالغار المباغت لبيع الفيلا، رغم العرض الخيالى، لتكتشف فضة المعداوى بفطرتها، الحقيقة. كل ما تملكه لا شىء لا الثروة، ولا القوة. بعد أن يفشل استعراض القوة والنفوذ، لن تجد فضة المعداوى بدا سوى شن حرب قذرة، استخدمت فيها القانون لخرقه، وكيفت الجريمة لجعلها قانونا. لم تفهم سبب رفض أبوالغار، فسرته على أنه «عنيد ومتعنطز»، لتتحول قضية الفيلا، من مجرد عقار إلى محاولة انتصار على هذا الرفض، الذى جعلها تتشكك فى قيمة ما تملك. كانت قد بدأت تكتشف ما يملكه أبوالغار ولا تملكه هى: عمله كسفير سابق، شخصيته القوية، قدرته على تحديها، تاريخ شخصى يقاوم تاريخها المختلق والهش. عندما شنت الصحفية «أمل» حملة ضد «فضة» باعتبارها رمز الجهل والتى لا تقدر قيمة «الثقافة» و«الفنون» لم تضيع بائعة السمك وقتا. قررت أن تشترى تلك «السقافة» وأن تصبح راعية «الفنون». فضة ليست مجرد بائع سمك، بل رمز لكل قاتل، كل شخص يدفع الناس فاتورة طموحه بدفنهم أحياء. القضية لن تنتهى عند فضة المعداوى، فأبناء فضة المعداوى سيتحولون إلى أباطرة بمستوى تعليم أرقى وملابس فاخرة، سيتاجرون فى كل شىء، ويقتلون كل شىء. سيتطور معهم الطمع من الاستيلاء على فيلا للاستيلاء على وطن، سيرسمون سياساته، ويحددون مصائر أبنائه. على أبناء فضة المعداوى، قامت الثورة. من أجل أبناء فضة المعداوى، تُقتل الثورة. فالبلدوزر لا يعرف التوقف، يعرف الهدم. البلدوزر يختبىء، ينتظر فى الخفاء لقمع وعى من أدركوا أن فيلا مفيد أبوالغار لم يكن لها أن تُمس. فضة زلزلتها «ثورة» أبوالغار من «الداخل، عرت حقيقتها وحطمت يقينها.. لكن أين يختبئ أبناؤها؟.
تحت نفس الشمس، وفوق نفس التراب، يجرى شوقى وحافظ وأبناؤهما مدفوعين بالانتقام، نحو «السراب». تبدأ الأمور كصراع على جنة «الأب» وتنتهى باللاشىء. «شوقى» ابن «الجنة» ولذاتها، مجرد صاخب يحب الفن والسهر، معتمد فى ذلك على ما وفره له أبوه من مال صناعة الحلويات بينما حافظ «شيطان» الجنة الذى قضى العمر فى خدمة أبيه، دون أن يتذمر، إلا من شىء واحد «شوقى» الذى لا يهتم بالمشاركة على الملك والمال، قدر اهتمامه بأن ينعم بالجنة. شوقى، عازف العود، صاحب الصوت الجميل وهو يغنى لسيد درويش وسط «شلة الأنس» الذى سيعايره، بها حافظ، سيجد طريقه للعصيان، عندما يقع فى غرام زينب البنت فقيرة المعتدة بنفسها، مخالفاً بذلك رغبة أبيه «رضوان»، الذى يخطط لزواجه من بيت ثرى. يستغل حافظ، ميل شوقى إلى التمرد، يزين له الفكرة، يؤكدها، فيتزوج شوقى من زينب رغماً عن الجميع. فيطرده هو وزوجته إلى أرض الحقيقة: الفقر، الغرفة الضيقة، العمل فى وظائف رخيصة لسد الرمق. الأب سلطة تحمل شرعية وصاية لا تقبل الشراكة، عندما تتمرد عليها، تصبح عاقاً، مطارداً من الجميع، مشبوهاً، محاصراً. فى ليلة زفافه يخطط حافظ لإفسادها، بإقناع أخته أن تتهم زينب بسرقة مصوغات، لا لهدف إلا لضرب الحالمين بالحرية، فى أعز ما يملكونه: كرامتهم. يضطر شوقى إلى أن يعرف طعم الدنيا الثقيل من أجل حريته، فيقبل أن يعمل صبى حلوانى «مرمطون معمل». يمرض الأب، يرق قلبه، فيعيد شوقى مرة أخرى، إلى البيت، شريطة أن يعمل تلك المرة، يكتشف الأب خيانة حافظ وسرقته له من وراء ظهره، يطرده، ليعلن تحديه مرة أخرى بموته، تبدأ الحرب بين شوقى وحافظ على «السراب»، يتقاسما محال الأب، يراهن حافظ على أن شوقى لن يستطيع تحمل المسؤولية، لا يقنع بأحقية شوقى فى الميراث، يرى كل قرش فى إرث الأب حقاً له. لكن شوقى يفاجئ الجميع بقدرة على إدارة المحال. يسلط حافظ صنايعية على محال شوقى لإفساد بضاعته ذلك فكرة شوقى الجديدة، شراء عوامة على النيل بمرسى وحديقة، يقرر أن يحولها إلى محل حلويات كبير، به فرقة للغناء، الوسيلة التى تمزج اللعب بالعمل بإبداع عاشق الحياة. يفسد له طلبية كبيرة، ذاهبة إلى كلوب محمد على، كلوب الأمراء والباشوات، فتسحب رخصة محال شوقى، فى الوقت الذى يغرق شوقى فيه فى ديون مشروعه الجديد، بعد اقتراضه من البنك. لا يضيع حافظ الفرصة، ويساوم شوقى على أحلامه، يشترى المحال بثمن بخس. قبل أن يخرج من بيت حافظ، يقتل، وتعود النقود، حق أبنائه إلى حافظ. لتبدأ مأساة القاتل والمقتول متجسدة فى حقد أبنائهما.
حسن أرابيسك.. الجوهرة وسطـ ركام الروبابيكيا
لا شىء مثمر كالنخل، لا شىء مبهج كالنخل، لا شىء أكثر إغراء بقطعه كالنخل.. تلك مصر، التى عرفها حسن أرابيسك، مشروع النور المتعثر دوما بفعل فاعل، إن لم يكن من الخارج، فبيد الفجرة من أبنائه، المتربحين على طاولته. حسن، كالمصريين، ينام بنوم الواقع، ويتحول إلى كرباج نشاط وإبداع وموهبة، عندما تحين الفرصة، عندما يشعر أن ثمة أمل فى الجوار، أمل يجعله يتخطى قتلة النخل.. حسن غائب فى الحشيش، وجلسات العربدة، يخبئ صنعته وموهبته التى ورثها عبر أجداده، من انحطاط الزمان، من الأندال، من خونة يحيون على نفى من يقف فى وجه أرباحهم، من دود يعيش على الفتات.. يحمى نفسه من الضياع بالضياع، من الجو المسموم، بالدخان المسموم، يحافظ على كرامة موهبته، بتدنيس كرامته هو فى قعدات الليل.. تأتيه فرص العمل، يوميا، يرفضها، ولا أحد يفهم لم؟. كلها تبتذل السر الذى بين أصابعه، كلها ترغب فى نهش ما يعرف وابتذاله، شغل السوق العابر، أحكام العرض والطلب.. حسن، رغم كل شىء، هو سيد الشارع، حاكمه غير المعلن، الذى يفصل بين تشاحنات سكانه، ومعاركهم اليومية.. حتى تأتيه فرصة تستفز الفنان بداخله. فيلا د. برهان، الذى يرغب أن تكون استعادة لتاريخ مصر: أن تكون قطعة منها فرعونية، وأخرى فارسية وأخرى قبطية وأخرى إسلامية، نموذج للحضارات التى عبرت على مصر.. لا يجد برهان ضالته، سوى فى فنان اكتنز موهبته للحظة تليق بها.. يستعيد أرابيسك حياته، نشاطه، ألقه، جنون الفنان بداخله، يعيد النظر فى حياته.. كرسى مرصع بالجواهر، يكتشفه جاره وفائى الرسام، كان مجرد قطعة على حنطور بائع روبابيكيا، لا يعرف قيمتها، الكرسى الذى صنعه والد أرابيسك، ووضع فيه خلاصة موهبته.. لكن جلسة حشيش يجره إليها أحد العاملين مع زوج أخته، يقرر أرابيسك أن يقبلها على سبيل «مرة وهتفوت»، يثرثر فيها حسن عن الكرسى، الصنعة التى وهبها الاتقان كمالا وجمالا، لم يعد المصريون يعرفونه، تستغل المعلومة فيسرق الكرسى ويباع خارج مصر، لخواجة يعرف قيمة ما نملك، أكثر من مالكيه.. يبذل جهودا كبيرة لاستعادة الكرسى، يستعيده بعد جهد، يتعلم معه أن الزمن لا يعيد ما سرقه بسهولة.. فيلا برهان، تتحول هى أيضا إلى نهاية لمشروعه أو بداية له.. فبدلا من أن ينفذ المشروع كما وعد برهان، تفاجئ حسن بصيرة من نوع آخر، فيقرر هدم الفيلا، لا أحد يفهم لم؟. هدم الفيلا أفضل وسيلة لبنائها، ترقيع البيت من الداخل، ليس وسيلة بناء، مصر ليست فرعونية فقط أو قبطية فقط أو إسلامية فقط، ليست حكرا على شىء، حسن كان يسأل ما هى مصر؟، ما هى خلاصة تجاور كل تلك الحضارات.
الباشا والعمدة..صراع طبقى على «حلبة» الوطن
فى شارع الحلمية، حلبة صراع على المصائر، يأتى الفلاح سليمان غانم، الذى أصبح ثريا، من قرية ميت الغانم، ليبدأ رحلة الثأر من البشوات الذين سرقوا والده، وقتلوه من الحسرة. كان عدوه مجسداً فى سليم البدرى، ابن الباشا الذى لم يرحم أبوه، قديما. الانتقام، الذى سبق ثورة 52، التى حسمت فى بدايتها الصراع الطبقى لصالح الفقراء والفلاحين والعمال، من قلة تتحكم فى مصير الكثرة. تبدأ وجبة الانتقام التى يقدمها سليمان بإرادته، بمحاولته شراء المصنع. سليم كان مشغولاً بزواجه الثانى فى بنت فقيرة فى الحلمية، تعويضا لمشاعره الباردة ناحية طبقته، الممثلة فى: نازك السلحدار. يدبر سليمان لطلاق سليم من نازك، بدعوة والد زوجته الثانية إلى سراى البدرى، فاضحا سره. خطة سليمان بسيطة: سأحصل على كل شىء، السرايا، المصنع، الزوجة، النقود. دولة البشوات كانت فى قمة جبروتها وضعفها، آن الأوان لتسقط الثمرة فى يد زارعها الحقيقى. ينجب سليم ولداً فى الحلمية: على، وولداً من نازك: عادل. بينما يثمر زواج سليمان من نازك الذى وافقت عليه بداعى الانتقام: زهرة. على ابن العمال، زهرة بنت الفلاح، عادل ابن الباشا.. مفاتيح الصراع، التى ستستمر نتيجة شهوة انتقام الآباء، التى فرغت فى الوقت من معناها وأهدافها لتتحول لمجرد لعبة ممتعة بين أطراف نسيت علام كانت تتصارع أصلاً، لا يتبقى سوى الحقد، النظرات الطبقية. بين سليم وسليمان: توفيق البدرى.. ابن الطبقة الوسطى.. الفرع الشعبى لعائلة الأرستقراطيين، يبدو توفيق كسائر أبناء الطبقة الوسطى، متطلعاً بإعجاب نحو تفوق سليم المادى، يسانده ضد الفقراء، رغم أنه يدرك أنه مجرد أداة فى يد سليم، ساعة الجد سيذكرها بأصلها الفقير، يخطط توفيق بمهارة خطوات سليم الذكية، رغم أن توفيق نفسه حمايته الحقيقية وسط الطبقة الفقيرة، عندما تلفظه يد الباشا، يصيبه الشلل ويحتضنه الفقراء. طبيعة الأرستقراطى تنضم لحزب متحالف مع سلطة الإنجليز، كشأن رجال الأعمال فى كل زمان، سلطة تحمى المال، مال يحمى السلطة. بينما ينغمس سليمان أكثر مع أبناء حارة الحلمية، لكن كمجرد سلم لطموحات أخرى فى الترقى، يكشفها محاولة التحاقه بطبقة الأرستقراطيين عندما تزوج نازك، يظل ملفوظاً، مطية لتكبرها. يأخد سليمان مصنع سليم، ويستولى سليم على أرض سليمان، تأتى الثورة، سلطة العسكر الجديدة، لتجعل من صراعاتهم مجرد مزحة ثقيلة ووقتاً ضائعاً، فتحصل على كل شىء الأرض والمصنع، ليبدأ القط والفأر من الصفر مرة أخرى لاستعادة كل شىء من السلطة. يواجهان المصير نفسه، فى مواجهة الخمس ونصة، طفيليات تركب موجة انفتاح السادات وتتاجر فى كل شىء، من السبارس إلى توظيف الأموال باسم الدين. تتحول الحلمية إلى مجرد دائرة أحلام، يحاول كل طرف أكلها من ناحية، ينجح سليمان مرات، ويفوز سليم دائماً.