x

تونس.. صراع حول هوية الدولة و«خريف اقتصادى» يهدد «ربيع» الثورة

الأربعاء 23-05-2012 07:39 | كتب: غادة حمدي |
تصوير : أ.ف.ب

«لقد عانى التونسيون 50 سنة من الديكتاتورية، والآن كل المشكلات التى طرحت جانباً تنفجر فى وجوهنا.. إنه تسونامى حقيقى من المشكلات».. بهذه الكلمات خاطب الرئيس التونسى، المنصف المرزوقى، شعبه فى الذكرى الأولى لفرار الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على إلى السعودية، التى وافقت 14 يناير الماضى، طالباً منهم منحه مزيداًَ من الوقت لإدارة مشكلات البلاد المختلفة. والآن، وبعد مرور نحو عام ونصف العام على الثورة التونسية، يمكن القول بأن البلاد شهدت تغيرات سياسية واسعة، لعل أبرزها انتخابات «المجلس التأسيسى» التى فاز فيها حزب «النهضة» الإسلامى بنحو 40% من أصوات الناخبين، ثم توافق القوى السياسية على اختيار «اليسارى» المنصف المرزوقى رئيساً مؤقتاً للبلاد، والأمين العام لحزب «النهضة» حمادى الجبالى رئيساً للوزراء، فيما تولى اليسارى مصطفى بن جعفر رئاسة «التأسيسى»، فى مسعى لتحقيق أكبر قدر من التوافق بين القوى السياسية فى بلد اعتبر نموذجاً فى تحقيق ثورة أحدثت نقلة سياسية كبيرة بأقل قدر ممكن من الخسائر.

وأنتجت الثورة التونسية، التى يصفها البعض بـ«ثورة الياسمين» أو «مهد الربيع العربى»، أيضاً تغييرات اجتماعية وثقافية، حيث اتسعت مساحات الحريات وحقوق الإنسان، وظهرت قنوات وصحف جديدة، وعلت أصوات إسلامية لم يكن مسموحاً لها بالظهور فى عهد بن على، وتغيرت العلاقة إلى حد ما بين الناشطين السياسيين وأجهزة الأمن، كما تأسست مئات الجمعيات وعشرات الأحزاب السياسية، لكن المراقبين يحذرون من أن تونس لاتزال تعانى من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، مع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل إلى نحو850 ألفاً، مقارنة بـ600 ألف قبل عام، الأمر الذى يعد بمثابة جرس إنذار، خاصة أن مشكلة البطالة مثلت الشرارة الأولى للثورة.

ويمكن الاستدلال على تفاقم مشكلات الفقر والبطالة فى تونس من تصاعد موجة الاعتصامات والإضرابات التى أصبحت أمراًَ شائعاً فى أغلب مناطق البلاد منذ سقوط النظام السابق على خلفية مطالب تنموية واجتماعية. وبينما يشكل قطاع السياحة شرياناً رئيسياً للاقتصاد التونسى، تبذل الحكومة الجديدة التى يقودها الإسلاميون فى تونس جهوداً مضنية لتأكيد ترحيبها بالسائحين والشركات وسط تدهور الأوضاع الأمنية التى تسببت فى انكماش الاقتصاد 1.8%.

ولاتزال الأموال التى استولى عليها الرئيس التونسى المخلوع وأفراد أسرته وأعوانه بعيدة المنال بالنسبة للحكومة والشعب التونسيين، فى الوقت الذى تعتبر فيه الأوساط التونسية محاكمة بن على «صورية» و«هزلية» كونها تتم غيابياًَ، ويقول محافظ البنك المركزى التونسى، مصطفى النابلى «هناك عملية للمساعدة فى تحديد واسترداد الأصول.. قطعنا شوطاً طويلاً، لكن الأمر يستغرق الكثير من الوقت.. أكثر بكثير مما يود الناس».

وفى الوقت الذى تفخر فيه تونس بعد رحيل «بن على» بأنها أصبحت دولة ديمقراطية وحرة ونموذجاً للتعايش بين الإسلاميين والعلمانيين داخل مؤسسات الدولة، لا يبدو الوضع السياسى فى تونس «ما بعد بن على» بهذه السلاسة، وسط تصاعد الصراع بين حكومة إسلامية تشكو ما تعتبره «محاولة تعجيز» من قبل خصومها السياسيين بقصد إفشالها بتصعيد موجة الاحتجاجات والمطالب العاجلة، وبين معارضين يقولون إنهم ينقلون مشاغل الشارع التونسى فى اتهامهم الحكومة بالعجز والتقصير والتراجع عن وعود كبيرة انتخبت على أساسها، متهمين حركة النهضة بـ«الالتفاف على الثورة» وبـ«إقصاء كل من يخالفها الرأى».

وأمنياً، يعد قرار الرئيس التونسى بتمديد حالة الطوارئ 5 مرات منذ هروب بن على إلى السعودية دليلاً واضحاً على حالة التدهور الأمنى التى تعيشها البلاد. ففى تقرير لها أصدرته الشهر الماضى، كشفت «اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق» التى شكلت لكشف التجاوزات والانتهاكات التى وقعت خلال الثورة التونسية، أن 338 تونسياً «بينهم 83 سجيناً و14 شرطياً و5 جنود» قتلوا وأصيب 2147 بجراح خلال الثورة، موضحة أن 61% من مجموع القتلى سقطوا فى الفترة التى تلت هروب بن على.

من جانب آخر، يشكل العنف السلفى الذى تفاقم مؤخراًَ تحدياً أمنياً كبيراً، وسط شكوك حول مدى قدرة السلطة على السيطرة على المجموعات السلفية المتشددة وحماية المساجد وفرض احترام القانون وطمأنة المواطنين على مستقبل الدولة، التى اعتبرت لفترة طويلة واحدة من أكثر الدول العربية ميلاً للعلمانية، الأمر الذى دفع الحكومة إلى التأكيد أن «الفسحة التى منحتها للسلفيين انتهت». وأثبتت المجموعات السلفية المتشددة، براياتها السوداء التى تدعو لقيام «دولة الخلافة»، قدرتها على التعبئة فى الشوارع مستفيدة من مناخ الحرية الذى بات يميز المجتمع التونسى بعد الثورة، ونجحت فى إعلاء كلمتها بالقوة فى الشارع ضد العلمانيين والنخبة المثقفة، دون أن يؤدى ذلك إلى ملاحقات صارمة من أجهزة القضاء والأمن. وبينما يتهم معارضون حركة «النهضة» باستعمال السلفيين كذراع أمنى للتستر وراء أفكارهم المتشددة، تنفى الحركة ذلك باستمرار، وتقول إنها ترغب فى الحوار مع هذه الجماعات بدلاً من إقصائها. وبعد مرور 16 شهراً على هروب بن على، لاتزال مشاعر المرارة وخيبة الأمل تتملك الكثير من التونسيين، معتبرين أنهم لم يجنوا بعد مكاسب ثورتهم، فبينما يقول بشير حباشى «لقد خاطرت بحياتى من أجل لا شىء»، ترى لمياء فرحانى، رئيسة جمعية أسر شهداء وجرحى الثورة التونسية، أن «بن على أصبح ضرباً من الماضى، لكن جروحنا تبقى غائرة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية