x

«فى بيتنا شبح» رسالة مسرحية متعددة القراءات.. والهدف واحد

الأربعاء 09-05-2012 14:49 | كتب: شريف سمير |
تصوير : اخبار

فى إحدى دورات المسرح المستقل منذ حوالى 3 أعوام تبادرت إلى ذهن فرقة «الحركة» المسرحية فكرة وجود «فأر» فى أحد المنازل أثار الرعب والقلق لدى أهل البيت، وتشكلت أفعال وسلوكيات شخوص العرض وفقا لمشاعر الخوف التى تملكتهم وأدمنوها بمرور الأيام، ليكشف النص المكتوب والرؤية الإخراجية للفنان سيد فؤاد مع فريق العمل مظاهر الفقر الثقافى والنفسى التى تسيطر على الأبطال وكشفها الخوف من «فأر وهمى» عبارة عن دمية صغيرة نسيتها طفلة الجيران وأرادت استردادها فى نهاية العرض فى سخرية لاذعة.. وبنفس المنطق تناول المؤلف المخضرم لينين الرملى الفكرة ذاتها من منظور آخر ليصوغ لنا تجربته الأخيرة على مسرح «ميامى» ويضع لها المخرج الكبير عصام السيد الخطة الفنية لرسم لوحة درامية مسرحية يقف عندها المتلقى لقراءة مفرداتها وفك شفراتها.

وكان المحور فى العرض هو «الشبح» بكل ما يحمله هذا المصطلح من إشارات ودلالات إنسانية وثقافية وسياسية تخضع لتفسيرات مختلفة وتوفر مساحة واسعة من الجدل وتباين تأويل «هوية الشبح» الذى احتل البيت- كما توهم ورثة الجد- واستغل ضعف إرادتهم وتفرقهم وتركيز كل فرد فى الفوز بنصيبه من التركة، دون الالتفات إلى ما يصيب البيت الكبير من خراب وتشوه يعبر فى جوهره عن الخواء النفسى والأخلاقى والثقافى الذى يعانى منه الأبناء والأحفاد «ورثة البيت».

فى هذا الاتجاه سار العرض بلغة «الرملى» المسرحية فى نص يعتمد على المعركة اللفظية والحوار المتلاطم بين الأشخاص فى تدفق ملحوظ ومهارة فى الكتابة إلا أنها وقعت فى فخ التكرار والإطناب وتطويل فترات هذا الصراع بين الشخصيات لتوصيل الفكرة، وكان من المفضل تكثيف الحوار فى مناطق كثيرة سواء من جانب المؤلف أو بتدخل من المخرج منعا للإسراف وإيجازا فى التعبير عن رسالة العمل.. وأمام فكرة محددة على هذا النحو استطاع المخرج التعامل معها إخراجيا بأبسط الوسائل الفنية والتكنيكية، فخرجت الإضاءة من رحم الفكرة والجو العام للأحداث بدرجاتها واختيار لحظات الإظلام المفاجئ أو التدريجى وفقا لطبيعة ومتطلبات المشهد، وجاءت متناغمة مع موسيقى مغلفة بالغموض فى أغلب مراحل العرض، لتضع المتفرج فى حالة توحد مرتفعة مع الحدث وتطوراته..

وبمرور الوقت داخل البيت واحتلال «الشبح» للعقول قبل أرجاء المكان، تحول الفضاء المسرحى إلى ديكور لبيت كبير وعريق انتشرت فى أركانه خيوط العنكبوت، وتصدعت جدرانه عندما تفرغ الورثة للبحث عن «كنز وهمى»، وأهملوا الثروة الحقيقية التى أصبحت فى أيديهم وأهدروا قيمتها لتصبح عرضة للمزاد أو السرقة أو الاحتلال الخارجى أو الضياع بعد أن تغافل أصحابها عن أهميتها وصولا إلى «حرق» البيت ومحاولة أحد الأحفاد الغيورين على البيت إطفاءه فى نهاية العرض بمشهد يذكرنا بما حاول أن يفعله النجم عزت العلايلى فى «أهلا يابكوات» عام 1989 على خشبة المسرح القومى- مع نفس المؤلف والمخرج- وأغلق الستار عليه بنفس الآلية فى ذروة صراعه لحماية الوطن والتعلم من أخطاء الماضى!

ذكاء أى مخرج فى أى تجربة تحمل اسمه مرتبط بدرجة كبيرة وصادقة بقدرته على اختيار فريق الممثلين الذى يهضم الفكرة ويتمكن من امتلاك مفاتيح الشخصيات حتى تتبلور القضية المطروحة ويصل المضمون إلى عقل المتلقى، وكانت الشخصية الحريصة على إنقاذ البيت الكبير وأفكار أقاربه من براثن الشبح تحتاج إلى ممثل فى قوة وبراعة ماجد الكدوانى الذى تنوع أداؤه بين الجدية والسخرية فى سلاسة وطاقة كوميدية لافتة واختيار متميز لطبقات الصوت فى كل موقف.

وظهر أشرف عبد الغفور فى دور الثرى موظفا خبرته الطويلة وفهمه العميق لطبيعة الشخصية كجدار عازل ضد أى أداء تقليدى أو أكليشيهات فى التعبير عن هذا النموذج، وأضاف سامى مغاورى إلى رصيده المسرحى الضخم ثوبا آخر بما يتمتع به من حس كوميدى رفيع تناغم مع إخلاص سلوى عثمان عندما عبرت بصدق عن السيدة البسيطة مظهرا ومخبرا، وتلقائية سيد الرومى كرمز لشباب يفضل الحلول السريعة الجاهزة عن العمل والإنجاز، وحرفية محمد رضوان اللاعب على كل الأوتار ولا يعرف الحسم، واجتهاد محمد نشأت فى رسم شخصية هستيرية أصابها الوهن من فرط ضعف الثقة بالنفس وتضاؤل الطموح، وثقل بيومى فؤاد الباحث عن فرصة للانقضاض على البيت، وإن كانت إمكانياته الكوميدية والتمثيلية تتيح له مساحة أكبر لو استغلت لكان من أبرز بصمات العمل، أما الوجه الصاعد أميرة عبد الرحمن فالدور لم يبرز إمكانياتها الحقيقية للحكم على موهبتها، لعدم تركيز المؤلف على هذه الشخصية والاكتفاء بكونها «مكملا غذائيا» للوجبة العامة.

كانت هذه هى رسالة «فى بيتنا شبح».. والرسالة تقبل أكثر من قراءة، إلا أن تعدد القراءات لا يلغى التفاف الرسالة حول هدف واحد سخر العرض حالته الفنية لتبصير المتلقى به وتحذيره، وهو ضرورة مقاومة «الشبح» بمختلف صوره وأشكاله إذا أردت حماية «بيتك» من الأطماع والخرافات وحصنته بالعلم والعمل واتحاد أصحابه، وعندئذ لن يكون «فى بيتنا شبح»!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية