رغم زحمة الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية من ثورات تنطلق حينا وتتعثر أحيانا، نجح الفلسطينيون في أن يكون لهم من الربيع العربي نصيب بتمردهم على الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية التي أمعنت في رفض توجههم إلى الأمم المتحدة.
انعكس ذلك في كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الثلاثاء، خلال زيارته لتونس، مهد الثورات العربية. وقال عباس إن «الثورات التي تشهدها العديد من البلدان العربية ستكون حتما في صالح القضية الفلسطينية».
وخلافا لتوقعات الكثيرين، استطاع الفلسطينيون لفت الانتباه إلى قضيتهم في عام 2011 نفسه الذي شهد ثورات الربيع العربي، التي لم تزدهم سوى إصرار على التوجه إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي للمطالبة بقبول عضوية فلسطين الكاملة في المنظمة الدولية.
«أعادت تلك الخطوة الرونق للقضية الفلسطينية».. هذا ما أكده نائب أمين سر حركة التحرير الفلسطينية (فتح)، صبري صيدم، معتبرا أنها تمثل نقطة فارقة «لنقل المعركة من دائرة المفاوضات المتوقفة إلى الحيز الدبلوماسي».
فبعد سنوات من الشد والجذب، قرر الفلسطينيون التوجه في الدورة الـ66 للجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب الحصول على العضوية الكاملة، لتكون فلسطين هي الدولة رقم 194 في المنظمة الدولية، رغم يقينهم باعتزام واشنطن استخدام حق الاعتراض «فيتو» لرد الطلب في مجلس الأمن.
لكن الإصرار الفلسطيني كان وراؤه على الأقل جذب الأضواء إلى القضية لتتصدر أجندة الاهتمام الدولي مجددا لأول مرة منذ مؤتمر أنابوليس للسلام 2007، حتى وإن لم ينجحوا في الحصول الفعلي على العضوية الكاملة.
ويرى صيدم في حديثه لـ«المصري اليوم» أن «هذه الخطوة شكلت قفزة معنوية وسياسية ووطنية، ورسمت محورا جديدا في العلاقة الفلسطينية العالمية، ونقلت الصراع من دائرة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى العالمي –الإسرائيلي».
ما ذهب إليه صيدم وافقه عليه الباحث السياسي جهاد حرب، الذي اعتبر أن الثورات العربية لعبت دورا مهما في إعادة الضوء إلى القضية الفلسطينية عندما تمسك الفلسطينيون بخيار التوجه إلى الأمم المتحدة. ويقول حرب «كانت خطوة تاريخية بعد سنوات من المفاوضات قدمت خلالها القيادة الفلسطينية أقصى ما يمكن من التنازلات، وكانت خطاباتها تتشابه بالصياغة والمضمون، لكن في خطاب الرئيس بالأمم المتحدة، أعاد للقضية الفلسطينية مكانها على المستوى الدولي والإنساني».
وما أكسب هذه الخطوة أهميتها، بحسب حرب، هو أن الفلسطينيين قالوا «لا» لأول مرة لأمريكا، و تحدوا جميع الضغوط التي مارستها لثنيهم عن هذه الخطوة، وهو ما خلق حالة التضامن والتعاطف مع الخطوة الفلسطينية.
كما أن الفلسطينيين من خلال ذلك، أثبتوا أن لا مفاوضات جارية بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان، والاعتراف بالحق الفلسطيني. ورغم هذا النجاح يعتقد حرب أن هناك خللا وقعت به القيادة الفلسطينية بالتوجه مباشرة إلى مجلس الأمن رغم إدراكها حجم الضغط الأمريكي على الدول لمنعهم من التصويت لصالحها.
يقول حرب «كان الأولى التوجه للجمعية العامة للحصول على صفة دولة مراقبة ومحاولة التغلغل إلى مؤسسات الأمم المتحدة و ثم التوجه لمجلس الأمن». كما أن القيادة الفلسطينية، بحسب حرب، «لم تتسلح ببدائل إضافية في حال عدم قبول طلبها، رغم توافرها».
إلا أن ما قاله حرب رفضه السياسي صيدم، فكما يقول «معاناة الفلسطينيين الطويلة باتت تخلق عندهم حاجة للخلاص ضمن فترة زمنية قصيرة، ولكن الكثير من الدول ناضلت عقودا للحصول على العضوية، ونحن يجب أن نتحلى بصبر وإرادة أكثر للوصول إلى هدفهم».