اشتعلت حرب التصريحات بين مرشحى الرئاسة، وازدادت حدة هجومهم على بعضهم البعض مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية نهاية مايو المقبل، وكان الاشتباك الأكثر سخونة بين رباعى المرشحين: عمرو موسى والفريق أحمد شفيق والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى، إذ تبادلوا 10 تصريحات مضادة فى شهر واحد، ما اعتبره الخبراء ظاهرة طبيعية فى حد ذاتها، إلا أنهم اتفقوا على أن المنافسة الشريفة يجب أن تراعى القيم الأخلاقية.
البداية كانت بين رجلى النظام السابق «موسى» و«شفيق»، إذ شن الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، هجوماً على الفريق أحمد شفيق، وقال خلال لقائه أعضاء حزب العدل، فى 5 إبريل الجارى: «لا يصح أن يكون آخر رئيس وزراء للنظام السابق، هو أول رئيس لمصر بعد الثورة»، و«مصر تحتاج إلى تغيير جذرى ينبع من أهداف الثورة».
ورد الفريق أحمد شفيق، على الهجوم فى اليوم التالى مباشرة، واستنكر التصريحات التى أدلى بها منافسه عمرو موسى، وقال فى بيان له: «إننى إذ أعتبر أن ما قاله (موسى) هو (صوت القلق) الذى لم يتمكن من السيطرة عليه رغم حنكته الدبلوماسية، فإننى أذكره بأنه كان أميناً عاماً لجامعة الدول العربية فترتين، بناء على اختيار الرئيس السابق، حسنى مبارك، وكان يتعشم، كما يعلم الجميع، فى أن يرشحه للمنصب نفسه فترة ثالثة، وقد قال (موسى) بوضوح إنه يؤيد ترشيح الرئيس السابق لفترة جديدة، إذا أعلن ترشحه فى انتخابات ٢٠١١».
ثم انتقلت المواجهة بعد ذلك بين رجال النظام القديم ومرشحى الثورة، إذ هاجم أبوالفتوح، المرشح عمرو موسى خلال ندوة بمجلس الأعمال الكندى - المصرى، فى 24 إبريل الجارى، قائلاً: «إنه كان ضمن من عملوا مع النظام السابق وصمت إزاء جرائمه»، وقال: «إن الناخبين لن يصوتوا لسياسيين من النظام الذى أسقطوه» و«أنا أتمنى ألا ينتخب أى شخص من النظام القديم لأننا فى جمهورية جديدة بأسس جديدة لإدارة الدولة، وبالتالى فإن الذين تربوا فى أحضان النظام القديم وعلى أفكاره وعلى وسائله لا يصلحون فى المرحلة الجديدة».
ورد موسى الهجوم بوصف أبوالفتوح بـ«الشيخ»، فى إشارة إلى أنه أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وقال خلال حواره فى برنامج «القاهرة اليوم» مع الإعلامى عمرو أديب على قناة «اليوم»، فى 24 إبريل الجارى، معبراً عن رفضه لنظرية الإقصاء التى يتبناها أبوالفتوح: «لابد أن يتعامل الشيخ عبدالمنعم أبوالفتوح بروح التعاون.. والإقصاء وعدم التحاور خطوة غير مقبولة من مرشح للرئاسة»، وأضاف موسى: «أبلغ الشيخ عبدالمنعم أبوالفتوح أنه لا يجب إصدار مثل تلك التصريحات».
وربما أراد «موسى» أن يفتح النار على جميع الجبهات، فانتقد حمدين صباحى فى نفس الحلقة من برنامج «القاهرة اليوم»، بسبب تصريحات قال فيها «صباحى» إن أول قراراته إذا أصبح رئيساً ستكون عزل المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة من منصبه، ووصف موسى هذه العبارة بأنها «لعب على عواطف الناس الذين يهتفون بسقوط العسكر ومغازلة لأصواتهم»، وأضاف: «يجب على صباحى أن يقول أول حاجة أعملها أن نشتغل على الاقتصاد وتوفير الأمن، وأنا آسف أن يقول الأخ حمدين صباحى هذا الكلام»، مداعباً أديب بقوله «يقول ما يشاء دا إذا وصل أساساً للرئاسة».
الهجوم المتبادل بين المرشحين لم يستثن أحداً، إذ سرعان ما اشتبك حمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح، وتبادلا الهجوم القاسى رغم أنهما تزاملا معاً فى الحركة الطلابية فى السبعينيات.
ويتجه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح لاستخدام طريقة مختلفة فى انتقاد منافسيه، إذ اعتاد الهجوم على خصومه بطريقة غير مباشرة، كأن يهاجم فكرة ترشح «الفلول» مثلاً، أو «تكويش» تيار الإسلام السياسى على السلطة، وحتى عندما أراد أن يطلق تصريحات مضادة تجاه «صباحى»، وألمح فى أحد مؤتمراته الانتخابية، الأسبوع الماضى، أنه لن يعين نائباً له يزيد عمره على 45 عاماً، فى إشارة إلى رفضه فكرة «الفريق الرئاسى» التى طرحها العديد من الشباب للتوافق حول مرشح واحد يعبر عن ثورة 25 يناير، وهو ما دفع حمدين صباحى، للرد وهاجم خلال لقائه أعضاء هيئة التدريس فى جامعة الإسكندرية فى 26 إبريل الجارى فى مؤتمر لدعم كمال أبوعيطة، مرشح حزب الكرامة الذى خاض الانتخابات البرلمانية الماضية.
وقال «صباحى»: «إن الإخوان المسلمين نكثوا ما وعدوا به ونقضوا عهدهم أمام الشعب وأسبابهم فى هذا واهية»، و«إنهم ارتكبوا أخطاء ينبغى على كل مصرى أمين على وطنه ألاّ يغفرها لهم على الإطلاق، أهمها رغبتهم الجارفة فى الاستحواذ على لجنة إعداد وصياغة الدستور، واستيلاؤهم عليها بالفعل قبل الحكم ببطلان تأسيسها، وإعلانهم المفاجئ أن لديهم مرشحاً لرئاسة الجمهورية».
من جانبه، وصف الدكتور محمد الجوادى، المؤرخ السياسى، هذه التصريحات بـ«المتعمدة والمقصودة»، لأن كل مرشح أصبح يستغل كراهية الشارع لتيار أو فئة سياسية معينة مثل الفلول أو الإسلاميين وغيرهما، ليغازل الناخبين، وهذه الحالة يلجأ إليها المرشح عندما يصل إلى مرحلة الاستهلاك لذاته ولا يجد جديداً يقدمه، وأضاف: «هناك نموذج آخر يلجأ للانتقاد كنوع من التربح، أى أنه يقف على عيوب الآخر»، مشيراً إلى أن الدكتور سليم العوا يستخدم هذا الأسلوب وهو ما يتضح جلياً فى مقولات شهيرة له مثل: «أنا أمثل الإسلام الوسطى واللى مش عاجبه يخبط راسه فى الحيط» وهنا نجد «العوا» يحرص على إضافة صفات إلى صورته الشخصية منها أنه يمثل الإسلام الوسطى الذى تفتقده تيارات دينية موجودة على الساحة.
من ناحيته طالب منصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى السابق، ووزير الإعلام الأسبق، جميع المرشحين بالالتزام بالمعايير الأخلاقية والابتعاد عن القذف والسباب، وقال: «إن المنافسة الانتخابية فى الدول المتقدمة تعتمد على النقد المتبادل بشكل أخلاقى ومحترم، لأن المرشحين يعلمون أن الرأى العام لا يقر النقد غير الأخلاقى، وأن المرشحين لا يخرجون عن حدود الآداب العامة»، مضيفاً أن هذا الأسلوب يلجأ إليه المرشح الضعيف عندما يشعر أنه خاسر فى سباق الرئاسة.
وتابع: «فى مجتمعاتنا الوضع مختلف والآداب لا تراعى ويسمح بعض المرشحين لأنفسهم بالتجاوز»، مشيراً إلى أن أسلوب النقد اللاذع فى بلادنا يؤثر بشكل قطعى على الناخبين، وهناك من يتأثر بهذا النوع من الدعاية الرخيصة.
وقالت الدكتورة مديحة الصفتى، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية: «إن الهجوم المتبادل بين مرشحى الرئاسة أمر طبيعى يحدث فى معظم انتخابات الرئاسة فى دول العالم، إذ يعتبر أحد مفردات الدعاية الانتخابية وسلاحاً يستخدمه المرشح فى الترويج لنفسه وسط مؤيديه، منتقدة الأساليب التى تبتعد عن السياق الأخلاقى. ووصف الدكتور هاشم بحرى، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، تبادل الاتهامات بين المرشحين بـ«المنافسة العاطفية»، وأنها حيلة يلجأ إليها المرشح لتقزيم منافسيه فى حال افتقاره إلى تقديم الجديد فى الدعاية، وأرجع «بحرى» هذا السلوك إلى حالة التعصب التى تنتاب المرشح، خاصة أن الانتخابات فى مصر يعتمد أغلبها على القبلية والحزبية.