التعليم الذى يقضون فيه ثلث يومهم، والعمل بجانب الدراسة الذى يقضون فيه الثلث الثانى من نفس اليوم، ليسا كافيين بالنسبة لهم، لمواجهة تكاليف وأعباء والحياة فى منطقة عشوائية، لذا قرروا أن يقضوا الثلث الأخير من اليوم فى الغناء والتمثيل ليخبروا الجمهور بمعاناتهم ومعاناة جيرانهم، دون أن يمل الجمهور.
ربما لم يلحظ أهالى «بشتيل» تحسنا ملحوظا فى الأحوال المعيشية بعد الثورة، لكن أطفال وشباب فرقة «عصافير بشتيل المسرحية»، استطاعوا أن يحصلوا على بعض المكاسب «الفنية» بعد الثورة، كان أولها تحويل مقر الحزب الوطنى ببشتيل إلى مقر لفرقتهم التى تضم الأطفال والشباب الموهوب بالمنطقة، وبقيادة عم رجب فهمى، رئيس الفرقة، الذى اكتشفهم، تدربوا على عروض مسرحية وغنائية.
رجب فهمى، الذى يطلق على نفسه لقب «مخرج الشارع» توجه بعد الثورة للمدارس ومراكز الشباب وجمع منهم الأطفال الموهوبين، فهو الأب الروحى الذى يعلقون عليه آمالهم، لأنه يسعى دائما لتقديمهم والتقاط الفرص لهم، سواء بالانضمام لفرقة أكبر أو المشاركة فى عمل فنى أو مسابقة مهمة. الوحيد الذى لم يستغن عنه عم رجب فى فرقته المكونة أساسا من الأطفال، رغم عدم كونه طفلا، كان حسام إبراهيم، لأنه بالإضافة لصوته القوى الذى يعتمد عليه «رجب» فى العروض الغنائية، لم يفارقه منذ 8 سنوات فى مشواره الفنى الصعب الذى يفتقر لكل شىء إلا الموهبة.
بعد أن ينتهى «حسام» من ورديته فى القهوة، ورحلته بـ«التوك توك» يتوجه مباشرة لعم رجب ليغنى ويتدرب على التمثيل، ثم يذهبا سويا بعد ذلك لحديقة مجاورة للقهوة التى يعمل بها حسام، ويقيمون جلسة فضفضة عن مشكلاتهم الحياتية والفنية.
«حسام» مسؤول عن عائلة بأكلمها، وخسر زوجته بسبب سوء أحواله، لكنه لم يتوقف عن الغناء إلا فى حالة واحدة فقط وهى كما يقول: «أوقات بحس بالإحباط واليأس فأترك العالم كله وأذهب لأى منظر طبيعى أتأمله وأشكو إلى الله فأهدأ وأعود لحياتى المعتادة.. عمل بالنهار وفن بالليل».
أطفال الفرقة ليسوا أفضل حالا من حسام، فيوسف شعلان، طالب بالصف الثانى الإعدادى، يضطر للعمل كمندوب مبيعات فى الإجازة وفى الأوقات الحرجة أيام الدراسة، وعلى الرغم من أنه يبدأ يومه فى الرابعة فجرا للخروج للعمل، لا يتنازل «يوسف» عن حضور بروفات الفرقة فى المساء ويقول: «بضطر أشتغل عشان أجيب قرش أساعد به عائلتى.. لكنى بحب الغناء والتمثيل».
أما بكر السيد، طالب ثانوى تجارى، فلا فرق لديه بين الدراسة والإجازة، لأنه يعمل فى الحالتين، ورديته تبدأ من السابعة صباحا،وبروفاته تبدأ فى السابعة مساء، ولا يستطيع أن يفوت أيا منهما عليه.
تقوم الفرقة الآن بأداء عمل مسرحى بعنوان «بانوراما الثورة»، كتبه عادل أبوالعلا، وهو عرض يحكى عن حال الفقراء الذين دفعهم فقرهم للانضمام للثورة.