«جيوش اللغة والإعلام، دراسة مقارنة فى لغة وإعلام الغزو الأمريكى للعراق 2003» عنوان كتاب مهم صدر عن دار الجمل وضعه د. على ناصر كنانة يثبت فيه أن الكتب أصدق أنباء من السيف. أو لتحرى الدقة يؤكد أن الحرب لا تقع إلا بعد أن يسبقها ما سماه المؤلف بالتسويق اللغوى لها، وهو عين ما فعلته إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وقت أن كانت فى الحكم ووقت أن غزت العراق بدعوى القضاء على أسلحة دمارها الشامل التى لم تكن موجودة أصلاً. ولابد من التعامل مع هذه الدراسة من منظور أوسع من مجرد كونها دراسة عن حالة بعينها، بل يتعين النظر إليها باعتبارها استراتيجية تتكرر كلما رغبت دولة فى اجتياح دولة أخرى، بلا مبرر منطقى حين تسن أقلام إعلامها فيشن حرب تستبق الحرب الفعلية وتمهد لها الميدان.
فأهمية الدراسة، التى حاز بها صاحبها درجة الدكتوراة من جامعة الروح القدس الكاثوليك، تنبع كما تشير المقدمة من انهامكها فى كشف دور اللغة فى صناعة الحرب عموماً و«تسويغ غزو بلاد بريئة من كل ما سوقته إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لغوياً على أنه خطر محدق» وقد حلل الباحث مصادر الأخبار الواردة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية ومن البنتاجون باعتبارها إعلاماً إضافة إلى القصص الخبرية المنشورة أو المبثوثة بين يناير 2001 وفبراير 2003، وفى مجال التحليل التطبيقى حلل د.كنانة التغطية الخبرية لموضوع العراق خلال الفترة من 17 فبراير إلى 20 أبريل 2003 فى عدد من الوسائل الإعلامية منها فوكس نيوز، سى إن إن، نيويورك تايمز، واشنطن بوست والغارديان وبى.بى.سى والجزيرة والشرق الأوسط والقدس العربى.
ومن أبرز ما قدمه هذا العمل استحداث مجموعة من المفاهيم المرتبطة باللغة واستخداماتها فى الحروب منها مفهوم بيئة اللغة وتعنى الظروف الزمانية والمكانية والاجتماعية والسياسية والثقافية التى تستخدم فى ظلها اللغة. ومفهوم اللغة قيد الاستعمال أى اللغة فى حالة الحركة أى عندما تستخدم من قبل الإنسان كتابة أو شفاهة. كما برز عدد من المفاهيم المهمة منها التخويف المباشر والتخويف غير المباشر ويغطى المفهوم الأول أسلوب القمع العلنى الذى تمارسه الأنظمة الاستبدادية ضد معارضيها بغية ترويضهم أما التخويف غير المباشر فهو تعبير عن الأساليب غير المباشرة التى تستخدمها الأنظمة الديمقراطية لغرس الخوف فى نفوس أناس من خطر داهم غير واقعى بغية الوصول إلى الهدف نفسه الذى ينشده التخويف المباشر أى الترويض لكن من خلال العقل وليس من خلال الجسم كما فى المفهوم الأول.
ويؤكد د.كنانة فى خلاصة بحثه أن العراق كانت مستهدفة من قبل إدارة جورج دبليو بوش منذ توليها الحكم حيث ناقش بوش فى أول اجتماع لمجلس الأمن الوطنى بعد فوزه فى انتخابات 2000 آليات تفعيل استهداف العراق نحو آفاق جديدة تمكن من الغرس اللغوى لخطاب الحرب. وتتأكد أهمية دراسة د.على ناصر كنانة من النتائج التى توصل إليها والتى تتمحور حول نتيجة أساسية: الغزو الأمريكى للعراق كان لغة من البداية إلى النهاية عبر : تلفيق لغوى لصناعة مفردات تجريم العراق، الذهاب إلى الحرب بأسانيد لغوية إيهامية لا تحاكى الواقع.