أثارت تحذيرات المجلس العسكرى من عدم المساس بالمشروعات الاقتصادية للقوات المسلحة، جدلاً واسعاً فى الأوساط السياسية والاقتصادية، وأكد مسؤولون فى الغرف التجارية ومكاتب السجل التجارى التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، أن المشاريع التى أنشأتها وتديرها القوات المسلحة لا تخضع للقواعد المطبقة على الشركات العامة أو الخاصة، وتباينت آراء الخبراء حول الموضوع، فبينما رأى البعض أن الهدف من هذه المشروعات تحقيق الاكتفاء الذاتى وخدمة الأمن القومى المصرى، ذكر آخرون أن هذه المشروعات لا توجد أى رقابة عليها، وأنها جزء من الدولة، وينبغى أن تتبع القطاع العام.
كان اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية والمحاسبية، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أكد خلال لقائه مع عدد من الإعلاميين، الأربعاء، أن القوات المسلحة ستقاتل من أجل مشروعاتها الاقتصادية التى بذلت فيها جهوداً كبيرة، ولن تتركها لأى شخص أو جهة لأنها «عرق الجيش»، حسب تعبيره، ولن تترك اقتصادها للدولة حتى لا «يخرب»، واعتبر أن من يقترب من مشروعات الجيش يقترب من الأمن القومى، منوها بأن الفائض من إنتاج الجيش يتم ضخه فى الأسواق بأسعار مدعمة، لتهدئة السوق والمساعدة فى عدم ارتفاع الأسعار، وقال مسؤولون فى الغرف التجارية ومكاتب السجل التجارى التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية إن جميع المشاريع التى أنشأتها وتديرها القوات المسلحة، وهى تمثل مصانع كبيرة تطرح منتجاتها كمنافس بالأسواق لا تخضع للقواعد المطبقة على الشركات العامة أو الخاصة، حيث لا تقوم هذه الوحدات باستخراج سجلات تجارية أو صناعية وبالتالى لا تكون أعضاء فى الغرف التجارية أو الصناعية، مؤكدين أن تلك المنشآت لا يتم التعامل معها ضريبياً، لأنها لا تستخرج بطاقات ضريبية من الأساس.
وذكر مصدر مسؤول باتحاد الصناعات أن المنشآت الصناعية التابعة للقوات المسلحة لا تستخرج السجلات والموافقات الصناعية التى تخضع لها أى منشأة أخرى سواء تابعة للقطاع العام أو الخاص، وبالتالى لا توجد أى ضمانات لخضوعها للأجهزة الرقابية المتمثلة فى الرقابة الصناعية أو الصحية.
من جانبه، ذكر أسامة سلطان، رئيس الغرفة التجارية بمحافظة الشرقية، أن هناك بعض المنشآت الصناعية التابعة للقوات المسلحة داخل نطاق عمل الغرفة. وأضاف أنه عندما تحدثنا مع تلك المصانع حول سداد رسوم واشتراك العضوية - وهى عضوية تكتسب بمجرد استخراج سجل تجارى وصناعى للمنشأة وفقاً للقانون- كان رد مسؤولى تلك الجهات أنهم معفيون من تلك الرسوم والاشتراكات والتراخيص لكنهم لم يقدموا المستندات القانونية التى تؤكد هذا الإعفاء، داعياً إلى إخضاع تلك المنشآت لجميع القوانين والإجراءات التى يتم تطبيقها على باقى المنشآت والشركات الحكومية والخاصة.
وقال داكر عبدالله، عضو مجلس إدارة اتحاد المقاولين، إن الجهات التابعة للقوات المسلحة، والتى تتولى تنفيذ مشاريع فى البنية الأساسية ليست عضواً فى اتحاد المقاولين، ولا تدخل المناقصات الخاصة بتنفيذ المشاريع المطروحة للتنفيذ باعتبارها «مالك»، مشيراً إلى أن وضعها يماثل وضع هيئة المجتمعات العمرانية أو الجهاز المركزى للتعمير، وعندما تتولى تنفيذ أحد المشاريع يكون باتفاق بين الوزارات المعنية بالحكومة ثم تقوم بإسناد العملية للمقاولين المقيدين بسجلات وزارة الدفاع.
وعلمت «المصرى اليوم» أن وزارة الدفاع لديها نحو 83 جهة محددة يتم إعلانها بشكل دورى للشركات والموردين والمقاولين لتقديم طلبات القيد كشركة أو مقاول أو متعهد فى التعامل معها، أبرزها المركز الطبى العالمى ومجمع الصناعات الغذائية والتعبئة بالعاشر من رمضان وإدارة نوادى وفنادق القوات المسلحة.
وقال مصدر مسؤول بوزارة الصناعة، إن القانون يلزم أى منشأة صناعية تطرح أى منتجات مدنية «غير عسكرية» حتى لو كانت تابعة للقوات المسلحة أو وزارة الداخلية باستخراج سجل صناعى وموافقات من الوزارة.
من جانبه، قال شريف دلاور، خبير الاقتصاد، أستاذ الإدارة، أن المشروعات التى يملكها الجيش ملك الدولة، ويجب أن تخضع لجميع الإجراءات التى تخضع لها المشروعات العامة، ودعا «دلاور» إلى تأسيس شركات قابضة تتولى إدارة هذه المشروعات بما يساهم فى تحسين إدارة الأموال والمشروعات، وبالتالى يكون لها عائدات اقتصادية أفضل لكل من الجيش والدولة على أن يتم تمثيل القوات المسلحة فى مجالس إدارة هذه الشركات وتساهم بالرأى فيها دون أن تنفرد به.
ونوه بأن وزير الدفاع عضو فى الحكومة، وعليه أن يقدم المشروعات والأنشطة الاقتصادية التى يعتزم إقامتها إلى الحكومة شأنه شأن باقى الوزارات لتخضع لعمليات تقييم ومراجعة ويتم الموافقة عليها أو تعديله.
وحول ما تردد من أعضاء المجلس العسكرى بوجود رقابة من جهاز المحاسبات على المشروعات قال إنه لم يتم نشر أى من هذه التقارير.
وأوضح «دلاور» أن الاطلاع على ميزانية المشروعات ومتابعتها لا تتنافى مع سرية الأعمال الخاصة بالتسيلح للجيش، مشيراً إلى ضرورة وجود ميزانيتين، إحداهما للمشروعات «المدنية» والتى تخضع لرقابة الدولة كما الوضع للمشروعات العامة للدولة وميزانية أخرى «عسكرية»، والتى تتم مناقشتها فى لجان مغلقة بمجلس الشعب لما فيها من أسرار خاصة بالتسيلح.
وقال الدكتور أحمد جلال، رئيس منتدى البحوث الاقتصادية، إن وجود مشروعات تابعة للمؤسسة العسكرية يمكن أن يكون محل نقاش، ولكنها لا تقلق طالما أنها لا تؤثر سلباً على اقتصاد الدولة.
وأضح الدكتور عبدالخالق فاروق، مدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن ما ذكره اللواء محمود نصر، بخصوص المشروعات الاقتصادية الخاصة بالجيش، يحمل 6 أخطاء، وذلك بتأكيده على أن المشروعات الاقتصادية للقوات المسلحة هى شىء مستقل إيراداً ومصروفا عن باقى مشروعات الدولة. وأضاف: أما الخطأ الثانى فهو تأكيده على أن اختراق المشروعات الاقتصادية للجيش سوف يؤدى إلى «خرابها» بما يعنى أن الرئيس المخلوع حسنى مبارك قد خرب الدولة المصرية على مدار 30 عاماً، أما الخطأ الثالث والخاص بتصريحاته حول حصول القوات المسلحة على 4.2% فقط من موزانة الدولة، فهو كلام خاطئ تماماً، والصحيح هو أن القوات المسلحة تحصل بصورة مباشرة وغير مباشرة على 8% من موازنة الدولة، عبر إضافة عمليات التعزيز المالى من خلال بند الاعتماد الإجمالى والاحتياطيات العامة، وإذا أضفنا إليها استئثار القوات المسلحة بـ90% من المزايا العينية فان ميزانيتها سترتفع إلى 9% من الموازنة العامة. وتابع «فاروق»: «إن الجهاز المركزى للمحاسبات لا يراقب الأنشطة الاقتصادية للجيش»، وذكر أن الادعاء بأن مشروعات القوات المسلحة أكثر كفاءة، ادعاء لا يقوم على دليل، بل العكس، لأنه نتج عن غياب الشفافية، فضلاً عن استخدام العمالة بالخدمة الإلزامية مما يقلل تكاليف التشغيل بصورة تتعارض مع الأسس الصحيحة لإدارة المشروعات، وأشار فاروق إلى أن تهديد اللواء محمود نصر بأنه وقيادته سيقاتلون للحفاظ على المشروعات الاقتصادية، أمر غير مقبول. فى المقابل، قال اللواء عبدالمنعم كاطو، الخبير العسكرى، إن جميع مشروعات القوات المسلحة، تحقق نجاحات باهرة، مؤكداً أنه إذا تم ضمها للقطاع العام «ستفشل بنسبة 100%»، كما هو الحال فى العديد من مشروعات القطاع العام.
ولفت «كاطو» إلى أن المشروعات الاقتصادية، التابعة للقوات المسلحة تعمل على أن يكون هناك اكتفاء ذاتى لها، بما يحقق الصالح العام للبلاد، كما أن الفائض منها يتم طرحه للمواطنين المدنيين، من خلال منافذ بيع القوات المسلحة، بأسعار رمزية، ليخفف من أزمة ارتفاع الأسعار.