x

في ذكرى ميلاد محمود درويش: ننشر تفاصيل معركة «الكنيست» مع الشاعر الراحل

الثلاثاء 13-03-2012 12:21 | كتب: إسلام عبد الوهاب |
تصوير : other

«أيُّها المارُّون بين الكلمات العابرة/ آنَ أنْ تنصرفوا وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا.. آنَ أنْ تنصرفوا، ولتموتوا أينما شئتمْ ولكن لا تموتوا بيننا/ فلنا في أرضنا ما نعملْ/ ولنا الماضي هنا ولنا صوتُ الحياة الأولْ/

ولنا الحاضرُ والحاضرُ والمستقبلْ/ ولنا الدنيا هنا والآخرة/

فاخرجوا من أرضنا.. من برِّنا.. من بحرنا.. من قمحنا.. من ملحنا.. من جُرحنا.. من كل شيء، واخرجوا من مفردات الذاكرةْ/ أيها المارُّون بين الكلمات العابرة..»

هذه آخر سطور قصيدة «عابرون في كلام عابر» للشاعر الفلسطيني محمود درويش، والتي كتبها في بداية عام 1988 إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 8 ديسمبر عام 1987،  وقد أثارت هذه القصيدة غضب «الكنيست»، البرلمان الإسرائيلي.

ودارت معارك قوية ضد «درويش»، ونحن الآن ننشر تفاصيل تلك المعركة في ذكرى ميلاد شاعر فلسطين الـ71، والذي رحل عنا في 9 أغسطس عام 2008 عن 67 عامًا.   

قدمت الكاتبة الإسرائيلية «سيمون بيتون» في مقالها الذي نشر ضمن كتاب «فلسطين بلدي»، الصادر في «منشورات مينوي» الفرنسية، بحثا مهما في قضية قصيدة «عابرون في كلام عابر»، وقد أعيد نشر المقال في مجلة «الكرمل» الفصلية الثقافية، التي أسسها ورأس تحريرها محمود درويش، في عددها  التاسع والعشرين الصادر عام 1988.

تتعجب «بيتون» في البداية مما حدث وأثير من ضجة حول تلك القصيدة، وتقول: «ومن عجب أن الصحافة الإسرائيلية بدأت في الوقت ذاته، "تقصد وقت الانتفاضة"، تهتم عن كثب بالشعر الفلسطيني، وبخاصة بقصيدة محمود درويش، مستلهمة من ثورة الحجارة، يستعيد فيها رموز تلك الثورة ويعبر عن هدفها الرئيسي: إنهاء الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الاستقلال الفلسطيني».

وتضيف: «وخلال أسابيع معدودة ظهرت مقالة، فمقالتان، ثم ترجمة، فترجمتان ثم أربع ترجمات، إلى أن كرّت السبحة بعشرات النصوص والمداخلات والرسائل والتوضيحات ليتشكل منها واحدة من تلك القضايا السياسية الإعلامية، التي يشغف بها الإسرائيليون، وعندما صارت موضع مبارزات خطابية في الكنيسيت، وارتفعت الأصوات الأولى في أوروبا والولايات المتحدة تتهم "درويش" بأنه شاعر "إرهابي" ومُعادٍ عرقيًّا لليهود وناطق بلسان القتلة ومثير للأحقاد العنصرية، بدا واضحًا أن الهستيريا المثارة بصدد تلك الأبيات الشعرية القليلة العدد، التي ينسقها اليمين الإسرائيلي بعناية فائقة، ستوظف في خدمة تسويغ الاحتلال والقمع».

بدأت الحملة في مارس عام 1988 حين قامت إحدى الصحفيات في أكبر جريدة يومية إسرائيلية، «يديعوت أحرونوت»، بقراءة القصيدة في الصحف العربية فترجمتها إلى العبرية ونشرتها وأرفقت بالترجمة مقالا وصفته «بيتون» بأنه مقال «يحيطه الغموض»، وتعلق عليه قائلة: «الحقيقة أن الصحفية قد نمت بذلك عن جهل سياسي كبير وعن جهل أدبي ليس يقل عنه، على أن لا المقال ولا القصيدة أثارا صدى يذكر لدى الجمهور».

وتابعت «معاريف»، ثاني أكبر الجرائد اليومية الإسرائيلية، القصيدة ونشرتها على صفحتها الأولى مترجمة ومرفقة بصورة «درويش» وبمقال يعلوه مانشيت «الشاعر محمود درويش.. المسؤول الثقافي في منظمة التحرير الفلسطينية يدعو إلى طرد اليهود من البحر إلى نهر الأردن».

وتعلق «بيتون» قائلة «مع أن ترجمة معاريف تضمنت مغالطات فظة، إلا أنها لم تتضمن بالطبع العبارة موضع الاتهام لسبب بسيط أن هذه لم ترد في القصيدة المعنية ولا في أية قصيدة أخرى لمحمود درويش».

ونجح الصحفي «توم سيجيف»، الصحفي بجريدة «هاآرتس» اليومية الإسرائيلية، والتي وصفتها «بيتون» بأنها «محترمة»، في الاتصال هاتفيا بـ«درويش»، ونشر له في اليوم التالي مقابلة يقول فيها الشاعر بوضوح إن «قصيدته مستوحاة من الانتفاضة» وإن «ترجمة "يديعوت أحرونوت" أقرب إلى الأصل من ترجمة معاريف».

ودارت المقابلة في سياق محترم دافع فيه «درويش» عن قصيدته ونفى أنه أراد بالقصيدة رمي اليهود في البحر، وأنهى «سيجيف» مقابلته بجملة «لقد فسر الشاعر ما الذي يقصده في قصيدته وينبغي علينا أن نصدقه».

لم يفوّت إسحاق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، الفرصة، فافتتح البرلمان الإسرائيلي في 28 أبريل 1988 بمقطع طويل يشن فيه الهجوم على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي أعلن فيه أنها «عصابات القتلة المنظمة»، وقال إن «درويش فضح منظمته وأهدافها في قصيدته» وأنهم «لا يريدون السلام»، وقال: «كان بإمكاني أن أقرأ القصيدة أمام البرلمان لولا أني أربأ بأن أمنحها شرف تسجيلها في محاضر الكنيسيت».

وأضاف «شامير» في كلمته: «أما الذين لهم عيون ترى وآذان تسمع، فلم يكونوا بحاجة أصلا لقصيدة خرقاء لذاك الشاعر المشبوه، الذي يدعونا لا إلى مغادرة البلاد بأسرها وإلى الأبد فحسب، وإنما يهيب بنا أن نحمل معنا موتانا أيضًا».

أما النائب يوسف شابيرا، ممثل الحزب الديني «أجودات إسرائيل»، فقد التقط طرف الخيط من شامير وخطب في الكنيست في نفس الجلسة قائلا إن «الخرافة التي تزعم أن منظمة التحرير الفلسطينية تبحث عن السلام قد تحطمت على صخرة الواقع، والذين لم يقنعهم الهجوم على الباص في الجنوب بالطابع الإجرامي لمنظمة التحرير الفلسطينية أقنعتهم الآن قصيدة محمود درويش، التي تنضح بالحقد والمتعطشة للدماء، تصوَّروا أن هذا الرجل كان معروفًا بأنه واحد من المعتدلين في منظمة التحرير الفلسطينية، فإن كانت هذه هي أفكار المعتدلين، نجِّنا يا رب من المتطرفين».

تصف «بيتون» ما حدث في «الكنيست» وخلفيات الهجوم على «درويش» وقصيدته، فتقول: «نواب الوسط وحزب العمل واليسار الصهيوني، الذين فوجئوا بعنف الهجمة، في الوقت الذي كانوا يعدون فيه العدة لشن حملة شعواء على رئيس الوزراء، شامير، العائد عشية ذلك اليوم من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلن رفضه لمشروع شولتز، وزير الخارجية الأمريكي الذي أعلن مبادرة لحفظ السلام لوقف الانتفاضة، فقد وقعوا في الفخ المنصوب لهم، وهكذا سار الجميع خلف شامير وضد درويش».

وتضيف «بيتون»: «وهكذا أمكن لـ"يديعوت أحرونوت" أن تصدر صباح اليوم التالي مانشيت تعلن فيه أن "الكنيست يستعيد وحدته بفضل قصيدة"».

بدأت «حفلة الصيد»، كما تصفها «بيتون»، وتقول: «وتبين أن الصيادين كثرٌ بما فيهم أوساط المثقفين الذين يُسَمَّوْن "ليبراليين" أو حتى دعاة السلام، وخلال ما يزيد على شهر لم يمر يوم عمليًّا دون أن يدلي صحفي أو كاتب أو أستاذ جامعي أو شاعر بدلوه».

وكان «يائيل أوتان»، أستاذ جامعي، من النادرين الذي رفضوا الاشتراك في حفلة الصيد، لكن هذا لم يمنعه من أن يلخص رأيه في نص «درويش» قائلا: إنها «قصيدة هستيرية عديمة الذكاء، واستفزازية، فضلا عن كونها من فصيلة الشعر الرديء».

أما الذين اشتركوا في «حفلة الصيد» فتذكرهم «بيتون» في مقالتها المطولة وعلى رأس هؤلاء «عاموس كينان»، وهو صديق شخصي لـ«درويش»، يقول في مقال تحت عنوان «جواب على محمود درويش»: «إنها قصيدة خرائية، إن الشعر القومي الرديء والأدب القومي الخرائي هما لعنة حلت على الشعوب المستعبَدَة، وعقاب إضافي ينضاف إلى ذاك الاستعباد».

وتشرح «بيتون» سرَّ الهجوم من قبل المثقفين الإسرائيليين على «درويش»، فتقول: «فإذا تناول مثقفونا القلم فليس من أجل التوقيع على عرائض مناهضة للحكومة، وإنما من أجل التنفيث عن حقدهم ضد درويش».

وتختتم «بيتون» مقالتها قائلة: «أي خلاص لهذا البحث؟ يؤسفني أنني لن أستطيع أن أختم بنبرة متفائلة، ومثلما تجري العادة في المقالات المخصصة لهذا الموضوع، فكل هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للمستقبل».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية