باتت «حمص» محافظة على خط النار. أحياؤها قنابل تتفجر الواحدة تلو الأخرى، أهاليها يفتحون بيوتهم المنزل تلو الآخر لاستقبال النازحين. كشفت المجزرة الأخيرة التي راح ضحيتها 47 طفلا وامرأة، تم العثور على جثثهم مذبوحة في حي «كرم الزيتون»، خريطة توزيع القوات «الأسدية»، مقابل قوات «الجيش الحر»، في مختلف مدن وبلدات المحافظة المنكوبة، الواقعة غرب سوريا، بالقرب من الحدود اللبنانية.
ما إن قامت تنسيقية الثورة في كرم الزيتون بإبلاغ نظيرتها في باب السباع، حتى سارع النشطاء بتدبير عملية نقل الجثامين ليتسنى توثيق الجريمة ونقل صورها للعالم قبل إتمام عملية الدفن في باب السباع، الذي يعتبر – نسبيا وحتى اللحظة – أكثر المدن الحمصية أمانا، إذا ما قورن بالمدن الأخرى الواقعة تحت مرمى النيران.
هكذا أكد براء الخاني، الناشط في تنسيقية الثورة في باب السباع، قائلا: «كنت شاهدا على عملية جلب الجثث في وقت متأخر، مساء الأحد، من حي كرم الزيتون، الذي تكثف فيه قوات الأسد مجازرها حاليا». وأضاف: «وصلتنا اتصالات من التنسيقيات بأنه تم إلقاء جثث عندهم، وبسبب الوضع الأمني هناك، اتفقنا على إحضار جثامين الضحايا هنا إلى بيت السباع.. كان ذلك 12 ليلا».
«الصحفيون لا ينقلون سوى نصف ما يجري»
وأوضح براء في اتصال هاتفي لـ«المصري اليوم»: «وضعناهم في أحد بيوت الأهالي وقمنا بتصويرهم وبث التسجيل للفضائيات والمراسلين، قبل عملية الدفن، التي ستجرى خلال ساعات». وتكمن أهمية تسجيل تلك المجازر في أن الصحفيين لا يتواجدون هناك بشكل دائم، بل يدخلون ويخرجون بشكل متقطع، وما ينقلونه لا يمثل نصف ما يجري يوميا على أرض الواقع، على حد قوله.
وأشار إلى أن «إجمالي عدد الجثث هو 47، منها 20 سيدة و27 طفلا، أعمارهم من 14 عاما وأنت نازلة.. القوات الأسدية اختارت هذه الفئة تحديدا لإرهاب الرجال من الخروج من بيوتهم، إذ عادة ما يبقى الحريم والأطفال في المنازل وحدهم، بينما يخرج الرجال لتنسيق عمليات المقاومة.. النساء والأطفال كانوا الصيد السهل لقوات بشار».
وعن الأحياء الأخرى في حمص، قال براء: «أحياء حمص باتت قنابل لا نعلم توقيت تفجيرها الواحدة تلو الأخرى، لا نعلم متى تسقط باب السباع، وإلى متى سيصمد الأهالي. بابا عمرو للأسف تمت السيطرة عليها تماما الآن من قبل القوات النظامية، لكن الحمد لله حدث ذلك بعدما خرج معظم الأهالي، لا يبقى الآن سوى 10 % من السكان، هناك من فرّ إلى أحياء أخرى سورية، وبعضهم نزح إلى الحدود اللبنانية غربا». وأوضح: «قليلون فقط هم من يلجأون للحدود اللبنانية بعدما قصفت قوات الأسد الجسر الرابط بين محافظة حمص والمنطقة الغربية المؤدية للأراضي اللبنانية».
حكايات إنسانية وراء كل باب
تشهد عمليات النزوح العديد من الملامح الإنسانية التي يتجسد فيها تكاتف الأهالي. ويقول براء: «عندنا في بيت السباع، عندما نزح السكان من بابا عمرو وكرم الزيتون، فتح الأهالي بيوتهم، الآن ممكن أن ترين 20 أو 30 شخصا يعيشون في بيت واحد، يأكلون الأكل نفسه، هناك أهالي يعيشون على رغيف خبز واحد».
وأقسم قائلا: «والله العظيم، شاب حكي لي أنه شاهد 15 شخصا يقتسمون فروجة واحدة (دجاجة صغيرة) في أحد البيوت التي فتحها صاحبه لاستضافة النازحين». وأضاف: «الوضع عندنا صعب كتير، لا يوجد طعام ولا دواء، المحال مغلقة، ولا شيء يسير بشكل طبيعي».
ويعد بابا عمرو هو الحي الحمصي الوحيد الذي سيطرت عليه قوات الأسد بشكل كامل، بعد 27 يوما من مقاومة الجيش الحر، الذي أعلن انسحابه تكتيكيا قبل أسبوع. ويوضح براء: «الأحياء الأخرى مثل باب السباع وكرم زيتون والخالدية والبياضة، تحوطها قوات الأسد من الخارج فقط، حتى الآن، وتقصفها بالمدفعية، بينما تمكث قوات الجيش الحر بداخلها في محاولة لتأمين مخارجها ومداخلها من مداهمة قوات الأسد».
«تنسيقيات الثورة».. مصطلح ظهر قبل 10 أشهر
وعن عمل تنسيقيات الثورة، قال براء: «هناك الهيئة العامة للثورة السورية، وهناك مجلس عام تشكل لكل محافظة، وهناك تنسيقية لكل حي داخل هذه المحافظات». وأكد: «أول وأكبر تنسيقية تم تشكيلها منذ الثورة تأسست في حمص، قبل نحو 10 شهور من الآن، لكن أنا انضممت لها من 7 شهور فقط». وأوضح: «الهيئة العامة للثورة موجودة داخل وخارج سوريا، جميعهم يعمل على التنسيق مع المدن والأحياء».
وعما تنتظره تلك التنسيقيات لمساعدتها وتعتبره عامل حسم في معركتها مع قوات الرئيس بشار الأسد، أكد براء: «لا نريد تدخلا أجنبيا كما حدث في ليبيا، لكننا مضطرون لطلب دعم عسكري. لو لا سمح الله سيطرت قوات الأسد على حمص، ماذا نفعل؟، المطلوب دعم الجيش الحر من الدول الغربية بالتسليح عبر الحدود اللبنانية أو بأي طريقة أخرى».
«نريد تسليحنا.. ولا تعنينا اختلافات المعارضة في الخارج»
وناشد براء حكومات الدول اتخاذ «قرار سيادي بدعم الجيش الحر، وفرض حظر جوي على الطيران السوري، والاعتراف بالمجلس الوطني، الذي يرأسه برهان غليون». وقال: «رغم اختلافات الرؤى بين المعارضة، لكننا نبحث الآن عمن يساعدنا، لا يهمنا الاختلافات بالخارج، كل ما يعنينا هو دعمنا بالسلاح. الاختلافات طبيعية وواردة، الأهم هو دعمنا، أما بعد إسقاط النظام إن شاء الله، سنتناول مسألة الاختلافات السياسية».
وأوضح: «المنشقون عن الجيش السوري من لواءات وعمداء يذهبون تركيا لأنهم بحاجة لوضع خطة المقاومة ومشروع الدعم الدولي، لا ننتظر منهم أن يحاربوا معنا على الأرض، بل هم يقومون بدورهم الطبيعي في التواصل مع شباب تنسيقيات الثورة في مختلف الأحياء، هناك تنسيق بيننا 100%».