■ لماذا اعترضت على الاقتراض من صندوق النقد الدولى رغم أن الحكومة تؤكد أنه لا بديل عنه؟
- الاعتراض الأساسى ليس على القرض فى حد ذاته لكن على ما يصاحب القرض من شروط وتوجه اقتصادى واجتماعى معروف فى جميع الاتفاقيات التى يعقدها صندوق النقد مع الدول النامية وأمامنا تجارب كثيرة توضح ما هى فلسفة الصندوق التى يلزمنا بها وما نوعية الإجراءات التفصيلية التى اعتاد أن يطلبها فى اتفاقاته وأمامنا تجارب حية كثيرة مثل الأردن التى وقعت اتفاقاً مع الصندوق على قرض بـ2 مليار دولار ومعه حزمة من الاشتراطات المعروفة من تقشف وزيادة أسعار الطاقة ومزيد من فتح الاقتصاد أمام التجارة العالمية وهو ما يعرض الصناعات المحلية لمنافسة ضارية وغير متكافئة وأيضاً المطالبة بما يسمى تحرير أسواق العمل وهى عبارة مهذبة لإعطاء مزيد من الحقوق لأصحاب الأعمال فى عقود وشروط العمل على حساب الانتقاص من حقوق العمال، وكل هذا تحت عنوان زيادة مرونة أسواق العمل، وهى تعبيرات تخفى وراءها أشياء كثيرة وطبعاً معروف فى تجربتنا مع صندوق النقد والبنك الدوليين منذ البرنامج الذى عقد فى 1991، وكان من شروطه الواضحة تخفيض الداعم أو إلغائه عن أشياء معينة والإسراع بتطبيق برنامج الخصخصة وإعطاء مجال أوسع للقطاع الخاص وتعديل النظام الضريبى بحيث يكون أكثر محاباة للأغنياء بدعوى أنهم من يدخرون ويستثمرون ويفتحون فرص عمل وتقليص الإنفاق الاجتماعى العام من صحة وتعليم أو عدم زيادته بمعدلات محسوسة وتجميد الأجور وكل هذه حزمة معروفة عن برنامج الصندوق منذ زمن طويل، وتتكرر مع كل الاتفاقيات التى يعقدها مع أى طرف آخر.
■ إذن لماذا تلجأ الحكومات أو الأنظمة إلى الاقتراض من الصندوق بهذه الشروط؟
- السبب يتعلق بالاشتراك فى العقيدة التى يؤمن بها صندوق النقد الدولى، وكما هو معروف فالصندوق ليس مجموعة من الخبراء الماليين فقط بل مؤسسة مالية تتحكم فيها القوى الرأسمالية الكبرى فى العالم وفى مقدمتها أمريكا والاتحاد الأوروبى، وهذا الصندوق ذراع من أذرع الرأسمالية العالمية التى تهدف إلى ترويج الرأسمالية فى العالم كله.
■ لكن البعض يرى أن النظام الرأسمالى ناجح اقتصادياً؟
- هناك تصور لدى البعض أن النظام الرأسمالى لا بديل له وعندما نواجههم بالنتائج السيئة برغم تكرر الإخفاق، ما يوحى بوجود شىء خاطئ يبررون استمرار تمسكهم بالفلسفة نفسها التى ينتهجها الصندوق ويضعها كشروط للإقراض، لأنه لا ينفذ القرض إلا إذا طبقت هذه الشروط وما يستتبعها من شروط خاصة بميزان المدفوعات وبسعر العملة إلى آخره، وكما ذُكر فى وسائل الإعلام مؤخراً فإنه على مصر أن تبدأ فى تطبيق هذه الشروط حتى قبل أن تحصل على القرض.
والفشل بالطبع ليس ناتجاً عن سياسة الصندوق بل عن سوء إدارة مثل هذا النوع من الاقتصاد ووجود عقبات بيروقراطية وفساد، مما يعرقل تطبيق هذه السياسة ويؤدى لفشلها.
■ وما البدائل المتاحة من وجهة نظرك؟
- دعينا نتذكر الأزمة العالمية التى حدثت فى 2008، والتصريحات التى توالت من مؤسسات مالية كثيرة ومن قادة دول كبرى فى العالم بأن ما يسمى الليبرالية الاقتصادية الجديدة أو بتوافق واشنطن قد مات وخرجت تصريحات جديدة بهذا المعنى وتوافق واشنطن هذا هو الاسم الفنى لهذا النوع من السياسات التى يتبانها صندوق النقد فى إشارة إلى السياسة التى توافق عليها صندوق النقد والبنك الدولى والخزانة الأمريكية الممثلة لحكومة واشنطن، وبعد الأزمة العالمية خرجت تصريحات كثيرة تؤكد أن الأزمة نتيجة لمثل هذا النوع من السياسات والانفلات فى تطبيقه وغياب الضوابط إلى آخره، وبالتالى كان أمامنا كثير من الانذارات بأن هذه السياسة لم تنجح، وقد درست تجربة مصر فى الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات وصولاً إلى 2005، وهى سياسة التحول من الميل إلى تطبيق الاشتراكية، واستمرت هذه السياسة سواء بالاتفاق مع الصندوق أم لا وكانت هناك اتفاقات فى بعض الفترات، لكن الاتفاق الأكبر كان فى عام 1991، وعندما بدأ نجم جمال مبارك يظهر ويتحدث عن الفكر الجديد، والذى كان يعبر فى مضمونة عن مزيد من التشدد فى تطبيق السياسات الرأسمالية وفتح الاقتصاد بدرجة أكبر، والإسراع فى الخصخصة بشكل أقوى.
■ هل تعتقد أن الحكومة الحالية ستتخذ مثل هذه الإجراءات من إلغاء الدعم وخصخصة التأمين الصحى وما إلى ذلك؟
- هذه البرامج كانت موضوعة بالفعل وفى تصريحات لأحد المسؤولين الحكوميين قال إنه تقرر بالفعل رفع أسعار الكهرباء والمياه والطاقة وترشيد الإنفاق العام وهى عبارة نسمعها منذ 40 عاماً وفتح المجال أمام القطاع الخاص أكثر مما هو مفتوح تكريس لاتجاه كان مطبقاً من قبل بمعنى مزيد من الانفتاح على الاقتصاد الحر.
■ هل هناك دولة استطاعت أن تبنى نهضة حقيقية عن طريق الاقتراض؟
- ليس هذا هو الطريق إلى النهضة، وهناك تصريح لوزير المالية قال فيه إن القرض هو الطريق الوحيد للإصلاح الاقتصادى وهذا الكلام معناه أن الفلسفة الاقتصادية، التى تصاحب هذا القرض هى الوسيلة الوحيدة الممكنة لإصلاح مشاكلنا الاقتصادية، وهذا هو محل الخلاف، لأن الاتجاه للقرض يكرس لاتجاه موجود فى مصر على مدار الأربعين عاماً الماضية، وهو التوجه للخارج فى حل مشاكلنا مع أن جزءاً كبيراً من هذه المشاكل حدث، بسبب اعتمادنا الكبير على الخارج فى توفير الكثير من الاحتياجات الأساسية ومستلزمات الإنتاج واحتياجات أخرى، واعتمادنا على الخارج يرجع لأن الداخل ضعيف، ونتفادى إصلاحه بوسائل جذرية غير تقليدية أى مخالفة لاتجاه الصندوق، وهناك تدهور فى أوضاع الزراعة، والاستثمارات الحكومية تضاءلت كثيراً، كما تدهورت حالة الأمن الغذائى، وكذلك التصنيع الذى انهار على مدار الـ30 عاماً الماضية، ونسبة الصناعة التحويلية إلى الناتج المحلى لا تختلف عن النسبة القائمة منذ أواخر الستينيات من القرن الماضى، إذن فهناك مشكلة صعبة، وقد لا تكون محل إدراك حزب «الحرية والعدالة»، أو إدراك الرئيس، ولو نظرنا إلى برنامجه الانتخابى سنجده يتحدث عن زيادة نصيب الصناعة التحويلية فى الناتج إلى 20٪ فى 2023 أى بعد 10 سنوات، فهل هذه هى النهضة الصناعية أن أرفع النسبة من 16٪ حالياً إلى 20٪؟ هذا أمر غير معقول، ويدل على عدم وجود إدراك كاف لحجم المشكلة، وكذلك جميع المشاكل الاقتصادية الأخرى، وهناك وهم آخر هو تصور أن المشروعات الصغيرة.
■ ما الحل فى رأيك؟
- على المستوى العام يجب انتهاج سياسة يكون أساسها الاعتماد على الذات أولاً، وليس الاعتماد على الخارج، ورسم دور تنموى ونشط للدولة لا يقتصر فقط على التنظيم، ووضع السياسات والتشريعات لكنه يمتد إلى المشاركة فى الإنتاج، والمشاركة فى الاستثمار، وارتياد المجالات التنموية، وإعادة توزيع الدخل فى المجمتع، وتحسين أحوال الفقراء، ويتكامل مع ذلك سياسة للعلاقات الاقتصادية الخارجية تسعى لحماية الصناعات الناشئة من المنافسة غير العادلة.