عندما ألقى الجنود الأمريكيون القبض على صدام حسين فى 13 ديسمبر عام 2003، وجدوه فى حفرة صغيرة اشتهرت آنذاك بـ«حفرة العنكبوت»، تقع تحت مزرعة المواطن العراقى علاء نامق الذى كان يعمل سائقا لصدام وقام بتخبئته فى المخبأ حتى عثر عليه فيه.
فالحاكم الذى عرفته عائلة علاء مثل كل العراقيين لعقود، كديكتاتور لم يتردد فى طلب الحماية، ويقول «نامق»: «إننا حمينا الرئيس، لأن التقاليد العربية والقبلية، بالإضافة إلى الدين الإسلامى يحبذ مساعدة الضيف أو مَنْ يلجأ إليك طلباً للمساعدة»، ويضيف فى تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية إن الرئيس لجأ إليه وطلب أن يختبئ فى مزرعته، فكان له ما أراد.
وعلى الرغم من مرور وقت طويل على إلقاء القبض على أحد أقسى حكام العالم العربى، إلا أن علاء وأخاه الأكبر قيس نادرا ما تكلما عن الموضوع، لكنه قرر أخيراً، فى المطعم المتواضع الذى افتتحه على بعد أمتار قليلة من «الحفرة المخبأ»، البوح بخفايا العملية التى أرهقت الأمريكيين لأشهر قبل العثور على صدام.
وأكد أن صدام أتى بكل بساطة إلى مزرعته وطلب المساعدة، فوافق نامق، إلا أنه حذره من احتمال انكشاف مخبأه والقبض عليه وعندها قد يتعرض للتعذيب. لكن وبما أن صدام حسين وُلد فى قرية قريبة من تكريت، شمالى المدينة الصغيرة على ضفاف نهر دجلة، فكان طبيعيا أن يتوقع الأمريكيون لجوءه إلى تلك المنطقة بالذات، حيث يفترض أن يبحث عن مأوى بين أبناء عشيرته فى تكريت بين بساتين أشجار النخيل والبرتقال والكمثرى الوارفة.
إلا أن نامق أكد أنه وأخاه نقلا صدام بين عدة منازل بعد غزو العراق عام 2003، وكشف أن الرجل لم يكن أبداً يستعمل الهاتف، لمعرفته أن الأمريكيين يتنصتون عليه، وأضاف أن صدام كان يكتب ويقرأ كثيراً، وكان نهماً على النثر والشعر، إلا أن الجنود صادروا كل ما كتبه. وقال إن الرئيس العراقى كان يراسل زوجته وابنته لكنه لم يقابلهما، بل اقتصر زواره فى المزرعة على ولديه عدى وقصى، وكان علاء هو من يرتّب لقاءهم فى المزرعة.
وبعد إلقاء القبض على صدام، أمضى علاء وقصى، بالإضافة إلى الرئيس، 6 أشهر «تعيسة وبائسة» كما يصفها، فى سجن أبوغريب، وبعدها قضى سائق صدام السابق سنوات يقود سيارة أجرة، إلى أن جمع ما يكفى من المال لافتتاح مطعمه الصغير هذا على ضفاف دجلة.
على الرغم من كل الألغاز المتبقية التى أحاطت عملية تخبئة صدام وإلقاء القبض عليه على السواء، يجزم نامق بأن هناك المزيد من المفاجآت، إلا أنه لن يكشف عنها كلها، علّه يأتى يوم ويكتب كل التفاصيل فى كتاب يحمل مذكراته، أو ربما فى فيلم يروى قصة الرئيس العراقى الحافلة.