نقلت وكالة «رويترز» للأنباء صورة عن أحداث العنف الأخيرة في سيناء، وحذّرت من تزايد خطر «متشددين» يتسخدمون نفس أسلوب تنظيم القاعدة، وأكدت، على لسان خبراء استراتيجيين، أن الحل الجذري للأزمات الأمنية في سيناء هو خطة تطوير شاملة في شبه الجزيرة، لا مجرد حملات أمنية متكررة.
وتحدثت الوكالة عن مسلحين «جاءوا في شاحنات تويوتا صغيرة.. كانوا بالعشرات وكانوا ملثمين يطلقون نيران المدافع الآلية ويرفعون راية تنظيم القاعدة السوداء ثم اختفوا وسط الجبال والقرى النائية في صحراء سيناء بمصر بينما ظل السكان المذعورون داخل منازلهم واختفت الشرطة».
ولفتت إلى أن هذه الواقعة، التي تقول إنها حدثت في العريش، شهر يوليو من العام الماضي، كانت اللمحة الأولى لقوة الجهاديين في شمال سيناء. وتابعت أن كثيرين لم يلتفتوا إليها، حتى استشهاد 16 جنديًا برصاص مسلحين سرقوا مدرعة واتجهوا بها إلى إسرائيل حيث دمّرها الجيش الإسرائيلي لاحقًا.
ونقلت «رويترز» عن خليل العناني، وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة درهام في إنجلترا، قوله إن «سيناء أرض مثالية وخصبة للقاعدة، من الممكن أن تصبح جبهة جديدة للقاعدة في العالم العربي».
ولا توجد حتى الآن أي دلائل تفيذ بارتباط تنظيم القاعدة بمن وصفتهم رويترز بـ«المتشددين» في سيناء، مشيرة إلى أنهم «إما بدو مستاؤون من معاملة السلطات وإما مصريون فروا من السجون خلال انتفاضة العام الماضي وإما فلسطينيون من غزة».
وأضافت الوكالة «وهم يمثلون مزيجا خطيرا من تهريب السلع والأفراد وتجارة السلاح وفكر القاعدة (التكفيري). والعامل المشترك هو المعارضة الشديدة لإسرائيل».
وقال السفير الإسرائيلي السابق لدى القاهرة، إسحق ليفانون، لـ«رويترز»: «أصبحت سيناء قاعدة لكل أنواع الجماعات المتطرفة، هدفها الأساسي هو الإضرار بنا، طردنا، إقامة دولة خلافة وإحداث هزة في الشرق الأوسط».
ورأت «رويتر»، أن «هؤلاء يمثلون خطرا حقيقيا ليس فقط على إسرائيل بل -وربما الأهم- على مصر»، وتابعت أن «أي هجوم على إسرائيل من شأنه أن يستفزها ويدفعها للرد من الممكن أن يقوض معاهدة السلام الموقعة مع مصر عام 1979 ويشكل ضغطا شديدا على الرئيس الإسلامي الجديد محمد مرسي. وربما يتجه المتشددون غربا لمهاجمة قناة السويس».
ونقلت الوكالة عن زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المقيم في إسرائيل، إيهود ياري، قوله إن «مهاجمة سفن في قناة السويس أسهل كثيرا على تلك الجماعات البدوية الأصولية التي تستوحي مذهب السلفية المتطرفة والقاعدة من شن عملية على الحدود الإسرائيلية».
وتعاني سيناء، منذ انسحاب إسرائيل منها عام 1982 وفقًا لاتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، برعاية أمريكية، من تجاهل السلطات «مما أفسح المجال لانتعاش الجريمة» وفقًا لـ«رويترز».
وقال صاحب متجر، طلب عدم نشر اسمه خشية الانتقام «بدوا (المسلحون الذي استهدفوا العريش في يوليو 2011) كأنهم مجموعات مدربة وليسوا البلطجية العاديين الذين نراهم». وأضاف «انتشروا في أنحاء المدينة رافعين مصاحف ورايات القاعدة السوداء التي تحمل الشهادتين باللون الأبيض واتخذوا مواقع على أسطح المباني».
وفي مركز الشرطة المجاور تحصن أفراد الأمن داخل المركز بينما أطلق المسلحون النار على أي كل من يجرؤ على الخروج. وقال أحد سكان المدينة «كان معهم كل أنواع الأسلحة بما في ذلك القذائف الصاروخية».
وقال صاحب المتجر إنه سمع أحدهم يتحدث على الهاتف بلهجة فلسطينية قائلا «انتهت ذخيرتنا ولا ندري أين نحن». وبعد أن لقي ستة حتفهم، بينهم أحد المسلحين، وصلت تعزيزات من القوات المصرية. وقال صاحب المتجر «فروا في كل الاتجاهات ولا أحد يعلم إلى أين ذهبوا».
وقال العناني، الأستاذ في جامعة درهام «تحتاج سيناء استراتيجية شاملة: اجتماعية واقتصادية وسياسية».
وأكد عبد الرحمن الشوربجي، عضو مجلس الشعب السابق عن شمال سيناء، وهو من حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين «هنالك بعض الأفكار المتطرفة في سيناء ومن وجهة نظري لا أرى انها كانت تستدعي كل هذا الحشد العسكري الكبير. كان يجب أن نبدأ بجولة للحوار وعمل قبائلي وعشائري».
وتعتقد «رويترز» أنه من السهل جذب شبان سيناء الذين يجدون صعوبة في كسب قوت يومهم إلى الإصغاء لرسالة تنظيم القاعدة.
وقال أحد السكان «الذي جلب هذا الفكر هو التهميش، إذا لم يتمكن شخص من كسب قوته فإنه يظن أن البديل هو التشدد في العبادة».
وقال مواطن انضم اثنان من أبناء عمومته للمتشددين «دائما ما كنا نتناول الإفطار معا لكنهما لا يحضران الآن أبدا».
ومع قلة الطرق الممهدة ونقص التنمية ورقابة الدولة أصبحت الجبال والنجوع في شمال سيناء ملاذا يسهل على المتشددين الاختباء به. ويعتقد أن عددا من المتشددين متحصنون داخل جبل الحلال بوسط سيناء.
وقال ياري، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لـ«رويترز»: «يطلق البدو على هذا المكان اسم تورا بورا سيناء. السلطات المصرية تعزف بشدة عن التوجه إلى هناك»، مشيرا إلى جبال تورا بورا بأفغانستان والتي كان يستخدمها تنظيم القاعدة بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بحركة طالبان عام 2001.
وتراجعت سلطة شيوخ القبائل في كلتا المنطقتين في مواجهة المال الذي تدفق من خلال الجريمة والعمل في الخليج ووصل إلى أيدي آخرين مما سهل على المتشددين الدعوة إلى الوحدة من منطلق الدين وتغليب ذلك على الانتماء القبلي، حسب «رويتر».
وقال دبلوماسي عربي في إسلام اباد، لـ«رويترز»، إن أعضاء القاعدة المصريين بدأوا يعودون من باكستان لاستغلال التغييرات السياسية التي تشهدها بلادهم.
لكن يبدو أن المتشددين في سيناء يحاكون حتى الآن القاعدة دون محاولة إقامة روابط رسمية مع التنظيم الذي تولى زعامته المصري أيمن الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن العام الماضي.
ويقول دبلوماسيون وخبراء في غزة إن زعماء السلفيين هناك يتحدثون بإعجاب عن تنظيم القاعدة لكنهم ينفون وجود أي صلة بين الطرفين.
وقال دبلوماسي لم تكشف «رويترز» عن اسمه «القاعدة مهتمة باستغلال فلسطين كواجهة لمعركتها العالمية أكثر من اهتمامها بوجود قاعدة فعلية لها في غزة او الضفة الغربية. وهي ترى أن جماعة فلسطينية سيكون لها طابع قومي أكثر».
وقال ياري إنه يعتقد أن جهاديي البدو على اتصال بالقاعدة في اليمن وربما أيضا في شمال أفريقيا «لكن حتى الآن ورغم أنهم يسعون للحصول على اعتراف من القاعدة فإنهم لم يحصلوا عليه بعد».
ورفض فكرة أن مقاتلين أجانب ربما قاموا بدور كبير في الهجوم الحدودي وقال «هناك بعض الأجانب في سيناء لكنهم أشبه بالرحالة. لولا توجه كثيرين إلى سوريا لرأينا عددا أكبر في سيناء».