x

«المصري اليوم» على أبواب القدس: إحباط السلام الضائع.. وحلم الدولة المستقلة

الثلاثاء 28-02-2012 23:03 | كتب: أسامة خالد |
تصوير : حسام دياب

جئت إلى فلسطين بأوراق وتصاريح تحمل شعار السلطة الفلسطينية، كان حلمى أن أصلى فى المسجد الأقصى، وأن أرى فلسطين وطناً أدخله بأوراق فلسطينية، فلا أنا صليت بالأقصى ولا وجدت ذلك الوطن الذى حلمت به، ولم يسمح لى حتى بمجرد دخول القدس.

وقفت بالقرب من أسوار مدينة الصلاة العالية أرى قبة الصخرة ولا أتمكن من زيارتها، منعنى الإسرائيليون من دخول مدينة الله، بعدما استبدلوا أسوار صلاح الدين العالية بجدار «شارون» القمىء، لم يتبق للفلسطينيين من القدس سوى الجدار يلعقونه أو يلعنونه أو حتى يرسمون عليه صوراً للأقصى، كل ما وجدته هنا الإحباط واليأس من سلام ضاع، وحلم بدولة انتهت صلاحيته.

كان شعور الإحباط مسيطراً على الجميع فى الضفة الغربية من الرئيس محمود عباس، الذى التقيته فى مكتبه البسيط بالمقاطعة، وحتى «مهند» بائع الفراولة فى سوق الشرفا بوسط مدينة رام الله، المدينة الأكثر غلاءً فى فلسطين وربما فى الشرق الأوسط.

تبدو الضفة الغربية على حافة الانفجار، تملك اليأس من الجميع وفقد الأمل فى سلام يصنع دولة، قتل الإسرائيليون أحلام الدولة الفلسطينية التى تمزقت أوصالها بين جدار خانق يحيط بها من كل جانب، ومستوطنات شرسة تسرق كل يوم وليلة آلاف الأمتار من أراضيها.

تبدو الدولة الفلسطينية بعيدة المنال، لاحظت ذلك بوضوح عندما اكتسى وجه الرئيس «أبومازن» بالألم وأنا أسأله عن الدولة، ولاحظته فى وجوه كتاب فلسطينيين وصحفيين ومسؤولين قابلتهم، الكل هنا يتحدث عن انهيار السلام وضياع حلم الدولة، بل ويستعد البعض للعودة إلى خندق المقاومة «سنعود للمقاومة وماذا سنفعل إذن، كل شىء، يضيع وإسرائيل تدمر كل شىء نحن فدائيون، ولسنا خونة لنرضى بهذا الهوان» عبارة قالها مسؤول كبير بالسلطة الفلسطينية وهو يحكى متألماً عن الواقع المر.

يبدو الأمر وكأن طبول الحرب تدق فى فلسطين، مواجهات شرسة فى القدس، واشتباكات فى الخليل، وتدريبات استفزازية للجيش الإسرائيلى فى نابلس، ومصابون وشهداء فى بلدة «الرام»، حواجز صارمة وتفتيشات دقيقة إنها الانتفاضة الثالثة إذن فى الطريق.

الناطق باسم حركة فتح فى الضفة، أسامة القواسمى، يصحح لى: «ليست انتفاضة ثالثة لكنها انتفاضة شعبية سلمية بدأت وستستمر، اخترنا طريق المقاومة الشعبية، خاصة أن المواطن الفلسطينى لم يعد يحتمل، وقد أعلنا أننا سنواصل نضالنا السلمى فى مختلف أرجاء الضفة لإزاحة المحتل عن أراضينا، بعد أن فاض الكيل بنا، وانهارت عملية السلام بشكل فعلى»، كنا فى الخليل وسط اشتباكات ضارية أمام شارع «الشهداء» المغلق منذ 18 عاماً، يأمل القواسمى فى النضال الشعبى السلمى للتعبير عن خيبة الأمل وإخراج شحنة الإحباط التى تملكت كل فلسطينى.

لكن أمين سر رابطة علماء فلسطين الشيخ نسيم ياسين يرى أن انتفاضة ثالثة هى الحل وهى الأقرب للواقع الآن، قائلاً: «الكفاح السلمى لن يحقق شيئاً، والحل فى انتفاضة شعبية ضخمة تزلزل كيان إسرائيل، لكن المشكلة أن السلطة لن تسمح بقيام هذه الانتفاضة ولن تترك المقاومين يقاتلون، لكن إذا كان موقفها حيادياً على الأقل، فسينتفض الشعب كله دفاعاً عن القدس، ودفاعاً عن الضفة التى تمزقت، وقد انتفض بالفعل أبناء القدس ورابطوا دفاعاً عن (المسجد الأقصى)».

وأضاف الشيخ ياسين: «أتوقع أن الانتفاضة قادمة والشعب لن يصمت وسيهب للجهاد من أجل القدس، وأطالب كل الدول العربية بأن تتحرك هى الأخرى لإنقاذ الأقصى، ويجب أن يعلن الجهاد فى كل العالم الإسلامى من أجل القدس، ويجب أن تندلع شرارة الانتفاضة من أجل الأقصى».

الشارع الذى يغلى يرى أنه لا أمل فى شىء، فلا السلطة ستريحه ولا المقاومة المسلحة هى الحل «لم نستفد من الانتفاضة الثانية بل تضررنا، كانت الانتفاضة وبالاً علينا لأنها قسمت أراضينا وحبستنا فى مدننا كالأقفاص وبالتالى لا نسعى لانتفاضة ثالثة، ستكون وبالاً علينا» قال الإعلامى والصحفى نعيم سويلم ممثلاً لرأى قطاع كبير من أبناء الضفة.

«إسلام» بائع الجلاش النابلسى بحى الإرسال بالقرب من مقر الرئيس أبومازن قال: «الوضع سيئ للغاية ونحن نعانى، الغلاء يزيد بصورة كبيرة جداً والبطالة تتفشى وأوضاع البلد السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتدهور ونحن ندرك أننا نحارب عدواً ذكياً يملك شيئاً ونحن لا نملك حتى صبره وتخطيطه، ولا نملك إمكانيات لانتفاضة ثالثة تقضى على الأخضر واليابس، الناس هنا تريد أن تعيش والوضع تأزم وانتهى كل شىء».

تعالت فى الشارع الفلسطينى همهمات تُلمح إلى أن الوضع كان أفضل تحت الاحتلال، فلم تكن الأرض مقطعة الأوصال بهذا الشكل، ولا المستوطنون كانوا بتلك الشراسة ولا الأوضاع كانت بهذا السوء.

كنا ظهر يوم سبت فى وسط سوق قلقيلية أنا وزميلى حسام دياب، وصديقى خالد سكر، المذيع بالإذاعة الفلسطينية، نظر الأخير متحسراً: «لم تكن لتجد موضع قدم فى هذه السوق يوم السبت، كانت تعج بالمشترين من كل أرجاء الحزام الأخضر يأتون ليشتروا من هنا بأسعار منخفضة، الآن وبعد الجدار لا أحد يأتى، وإذا أتى فإن الإسرائيليين يضعون قائمة طويلة من الممنوعات التى يجب ألا تشترى من هنا، ويحددون كميات الأصناف التى تشترى، يفرضون حصاراً اقتصادياً على المدينة المحاصرة أصلاً بين جدار خانق».

هل يخلق هذا الوضع الاقتصادى والحصار السياسى انتفاضة ثالثة؟ وجهت السؤال إلى الدكتور عبدالستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح بنابلس، فقال: «أظننا بعيدين عن انتفاضة الآن، قامت عندنا 25 انتفاضة منذ عام 1920 وحتى عام 2000 ولم تنجح واحدة منها، بعض الفصائل تعتقد أن الانتفاضة ستحقق شيئاً لكنها لن تؤدى إلى أى شىء، نحن بحاجة إلى ثورة، بحاجة إلى أن ندخل إلى الربيع العربى.. وأعتقد أن الثورة هى الأقرب من الانتفاضة لأن الناس أصبحت فى حالة ثقافية واقتصادية منهارة، وللأسف السلطة ورطتنا فى ترتيبات مالية واقتصادية تعتمد فيها على أعدائنا، فمن أين تدفع الرواتب، من أموال تتحكم إسرائيل فى معظمها، السلطة أغرقتنا بالتسهيلات البنكية وورطت الكثير من أفراد الشعب مع البنوك، وأصبح الكثير من الفلسطينيين يعانون من قروض البنوك وتراكم المديونية عليها، لذا أعتقد أن الشعب غير مهيأ الآن لانتفاضة ثالثة، وأعتقد أن الحراك الحادث الآن حراك غير كبير، فالأعداد التى خرجت من أجل الدفاع عن القدس قليلة، ولا تشير إلى أن الشعب سيتحرك، وأعتقد أن هذا الشعب سوف ينفجر فى وجه السلطة والاحتلال معاً فى ثورة شعبية ضخمة».

وطالب الدكتور عبدالمجيد سليم، أستاذ الدراسات الإقليمية بجامعة القدس، بكفاح شعبى سلمى فى كل مراحله حتى لو قوبل من إسرائيل بالعنف والرصاص، فلا يجب أن ينجرف الشعب الفلسطينى لدائرة العنف، وقال: «هنا يجب أن نحدد ماذا نقصد بالانتفاضة، هل نقصد الدخول فى دائرة العنف، إذا كان المقصود استدراج الشعب لهذه الدائرة فهى مرفوضة، وهذا للعلم مطلب إسرائيلى أن نستدرج لهذه الدائرة وسنكون نحن الخاسرين».. أما إذا كان المقصود الحراك الشعبى السلمى لوضع حد لغطرسة إسرائيل فأنا أؤيد ذلك بشدة لأنه الحل والمخرج، وهنا لابد أن ندرك أن الشعب نبذ العنف ولم يعد يريده، لأن العنف لن يحقق المصلحة الفلسطينية، وهذا لا يعنى إلغاء حق الشعب فى الكفاح الوطنى، لكننا أيضاً ينبغى أن ندير ظهرنا للقانون الدولى ونجبر عدونا على الخضوع له». وبعيداً عن كل هذا ومن الدوحة يجيب قاضى قضاة فلسطين، الشيخ عكرمة صبرى، على نفس السؤال: هل نحن على موعد مع انتفاضة فلسطينية ثالثة تواجه سوء الأوضاع السياسية خاصة فيما يتعلق بالقدس وما يحدث بها، بقوله: «نحن بالفعل منتفضون، شباب القدس وعرب الداخل دائماً من أجل الدفاع عن الأقصى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية