كانت «ميت عقبة» مازالت قرية ريفية وديعة، قرب ضفاف النيل، فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى، حين ولد الشيخ محمد محمود الطبلاوى، الابن الذى تمناه والده من الله، ليهبه لحفظ القرآن الكريم، فاستجاب له رب العالمين.
ما إن بلغ محمد الرابعة من عمره، حتى أرسله والده لكُتاب القرية لحفظ الكتاب، فأتمه فى العاشرة من عمره. لكنه لم ينقطع على الكُتاب، بل ظل يتردد عليه بانتظام لمراجعة الحفظ مرة كل شهر، رغم أنه بدأ العمل كقارئ صغير فى مناسبات «الخميس».. «الأربعين»، و«الذكرى السنوية»، بأجر لم يزد على 3 جنيهات قبل بلوغه 15 عاما.
فيما بعد، سيدرك المقرئ الشاب أن نعم الله عليه لم تتوقف عند صوته المميز، فقد وهبه إرادة قوية لتحقيق ما يريد، فقد تقدم للإذاعة تسع مرات ليعتمد رسمياً، ولم تقبله لجنة الاختيار، ليعتبر أكثر القراء تقدماً للالتحاق بالإذاعة. لم ييأس، وتقدم للاختبار العاشر، ونجح، واعتبر اعتماده المتأخر جدا نعمة أخرى من نعم الرب عليه. هكذا رأت نفسه المطمئنة دائماً أن ربه أعطاه وعليها أن ترضى شاكرة. وما إن وصل منتصف سبعينيات القرن الماضى، حتى ذاع صيته داخل مصر وخارجها، ليصفه مثقف «متذوق» بحجم الراحل، محمود السعدنى، بأنه: «آخر حبات مسبحة القراء العظماء».
سجل الطبلاوى القرآن كاملاً، مجوداً ومرتلاً، وزار أكثر من 80 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، لكنه لم ينس أبداً زيارة الهند، ضمن وفد مصرى دينى، بدعوة من الشيخ أبوالحسن الندوى.
كان رئيس الوفد، المرحوم الدكتور زكريا البرى، وزير الأوقاف حينها، وتأخروا عن موعد المؤتمر المقرر بجامعة الندوة فى نيودلهى، لمدة نصف ساعة بسبب الطيران. وبذكاء، اقترح البرى «أن يتقدمنا الشيخ الطبلاوى، لأنه مميز بزيه المعروف، ولأنه مشهور هنا، وله مكانته فى قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية، ربما يكون لهيئته دور فى الصفح والسماح لنا بالدخول».
حدث ما توقعه الدكتور البرى، وأكثر، إذ فاجأهم رئيس المؤتمر بالوقوف مرحباً، مبشرا القاعة بصوت عال: حضر وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوى.. فلنبدأ احتفالنا من جديد.
عاد الطبلاوى من رحلة الهند، ليتم تعيينه شيخ عموم المقارئ المصرية.. وعضواً بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.. وعضواً بلجنة القرآن بالوزارة ومستشاراً دينياً بوزارة الأوقاف.
أيضا، لا ينسى الشيخ الكبير زيارته إلى اليونان، فى أول زيارة لمقرئ قرآن إلى أثينا، واحتشد لسماعه آلاف المسلمين هناك. وكذا دعوة حكومة إيطاليا له لتلاوة القرآن الكريم، فى عاصمتها روما، ولا مشهد الجموع الغفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك. ولم ينس الطبلاوى دعوة القصر الملكى بالأردن، لإحياء مأتم الملكة زين الشرف، والدة الملك الراحل حسين.
لم يُكرم الطبلاوى من وطنه، لكنه تلقى تكريمات من العديد من الدول الإسلامية، ومنحته وسام جمهوريتها تقديراً لجهوده فى خدمة القرآن.