في عام 1933 وحين كان الرجال لا يزالون يخافون من ركوب السيارات، التي كانت وقتها لاتزال غير مامونة، غيرت امرأتين إحداهما أمريكية والأخرى مصرية تاريخ الملاحة الجوية، ونظرة المجتمع للمرأة علي أنها كائن أقل درجة من الرجل.
الأولي كانت «إيمليا إيرهارت» والتي يحتفل العالم في مثل هذا اليوم بعيد ميلادها الـ115، حيث كانت أول إمرأة تقود طائرة منفردة في التاريخ، أما الثانية فكانت المصرية لطيفة النادي أول إمرأة مصرية وعربية وإفريقية وثاني إمراة علي الاطلاق تقود طائرة منفردة بين القاهرة والإسكندرية.
وفي الوقت الذي بدأت فيه «إيرهارت» مشوارها العملي كأول سيدة تقود طائرتها بمفردها فوق المحيط الأطلسي، كانت لطيفة النادي في القاهرة تحضر دروس الطيران خلسة دون علم أهلها مستغلة في ذلك كونها تعمل سكرتيرة مدرسة الطيران، لتلحق بعد ذلك برفيقتها وصديقتها المستقبلية «إيمليا إيرهارت»، وتكون ثاني سيدة تقود طائرة بمفردها وتشارك في العام 1933 في سباق سرعة بين القاهرة والإسكندرية، وتصل فيه الي خط النهاية قبل أي متسابق آخر إلا أن خطأ فنيا حدث عند خط النهاية منعها من الحصول على جائزة المركز الأول، إلا أن ذلك لم يمنع لجنة التحكيم منحها جائزة شرفية.
وهكذا تحولت الفتاتين إلي بطلتين قوميتين، فقد حظيت «إيرهارت» شهرة خيالية في المجتمع الأمريكي حينها، وفي مصر بعثت هدي شعرواي إلي لطيفة النادي برقية قالت فيها «شرّفت وطنكِ، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر، بارك الله فيكِ»، لتبدأ بعد ذلك هدي شعراوي مشروع اكتتاب شعبي من أجل شراء طائرة خاصة لـ«لطيفة النادي» تكون بها سفيرة لبنات جنسها في البلاد التي تمر في أجوائها أو تهبط بمطارتها.
إختفاء «إيرهارت».. وعملية البحث الأضخم في التاريخ
ورغم أن «إيرهارت» و«النادي» لم يلتقيا أبدا إلا أن صداقة عبر الرسائل المتبادلة جمعت بينهما، وتبادلت كلتاهما قصص رحلاتهما ومغامرتهما في هذه الرسائل، إلي أن جاء يوم 2 يوليو عام 1937 حين أقلعت «إيرهارت» بطائرتها للقيام برحلة حول العالم بصحبة طيار آخر يدعى «فريد نونان»، وبعد أن غادرت «إيرهارت» مدينة ميامي استطاعت أن تقطع أكثر من 35,000 كلم ، ولم يبقى لاتمام الرحلة سوى 11,000 كلم معظمها فوق مياه المحيط الهادي. إلا أن الاتصالات مع «إيرهارت» وطائرتها انقطعت فجأة على بعد 300 كم من جزيرة هاولاند.
وبدأت عمليات البحث - التي عرفت بأنها الأكبر والأكثر كلفة في التاريخ - عن «إيرهارت» أو حطام طائرتها المفقودة منذ ذلك التاريخ، حيث كلفت الولايات المتحدة الامريكية أسطول جوي وبحري ، كما شارك أسطول حربي حامل للطائرات بعمليات البحث وانضمت كذلك سفيتنين يابانيتين.
وبعد عامين من البحث وتحديدا في يناير 1939 أعلنت الحكومة الامريكية عن مقتل «إميليا إيرهارت» والطيار المرافق لها وذلك بدون أي إثبات مادي لذلك.
لكن البحث بقي مستمرا حتى يومنا هذا عن حطام الطائرة تحت الماء وفوقه، أو عن أي أثر يدل على جثة «إيرهارت»، وتم رصد مبلغ 2 مليون دولار في العام الحالي 2012 لمن يدلي بأي معلومات تكشف عن غموض هذا الحادث.
وكما هي العادة في أمريكا، نُسجت مئات القصص والروايات حول لغز اختفاء «إيرهارت»، وذهب البعض إلى تورط المخابرات البريطانية في التخلص منها، كما تم تأليف مئات الأغاني التي تتحدث عنها، وتناولت السينما قصتها في عشرات الأفلام السينمائية.
أما في مصر فلم تلاقي لطيفة النادي التقدير المتوقع، وهو ما دفعها للهجرة إلي سويسرا. حيث حصلت علي الجنسية السويسرية تقديرا لها. وقضت فترة طويلة من عمرها في سويسرا. وتوفيت عن عمر يناهز الخامسة والتسعين عاما.
ولم تتناول الدراما والسينما المصرية حياة لطيفة النادي إلا عبر فيلم وثائقي أنتج العام 1996 تناول حياتها، اسمه «الإقلاع من الرمل»، وفيه سؤلت عن السبب الحقيقى وراء رغبتها في الطيران، فقالت أنها كانت تريد أن «تكون حرة».